الحكومة أسيرة العقد الخارجية والداخلية.. والحلّ ينتظر تضحيات وتسهيلات متبادلة
تحوّلت الحكومة إلى قصة “إبريق الزيت” تُروى يومياً بطريقة مختلفة عن الأخرى، لكنّ المضمون أو النتيجة هي نفسها: لا حكومة. فهناك من يَعزو عدم التأليف إلى أسباب خارجية تتعلق بالنزاع الأميركي-الإيراني ورفض طهران الإفراج عن الورقة الحكومية قبل ان تنتزع أثماناً أميركية، وما يرجِّح هذا الاعتقاد لدى هذا البعض هو عدم تصديقهم أنّ العقدة محلية وغير قابلة للحل على رغم فداحة الأزمة المالية، إذ هل يعقل، في اعتقادهم، ألّا يضحّي المسؤولون بمصالحهم في سبيل الناس الجائعين والفقراء والمتروكين لأقدارهم ومصيرهم؟ وفي المقابل، هناك من يعتبر أنّ العقدة الحكومية محلية بامتياز، وترتبط باختلاف النظرة الى الحكومة العتيدة بين الرئيسين ميشال عون وسعد الحريري، إذ فيما يعتبرها رئيس الجمهورية حكومة العهد الأخيرة ولن يفرِّط بحضوره داخلها، يسعى الرئيس المكلّف إلى تَجنُّب تصويرها كالحكومة المستقيلة لكي يتمكن من تسويقها خليجياً وأميركياً، فضلاً عن انه يريد التحرر من موازين القوى داخلها بغية إدارتها بسلاسة تحقيقاً للإصلاحات المشودة. وبين من يقول انّ العقدة خارجية، وبين من يعتبرها داخلية، يواصل لبنان انزلاقه من السيئ إلى الأسوأ، ويقفل العام 2020 من دون حكومة. لكنّ الوضع في السنة المقبلة لن يكون أفضل حالاً من العام الحالي، لأنّ الأزمات نفسها سترحل من سنة إلى أخرى من دون وجود أي أفق للحلّ. أما الكلام عن انّ الأمل الوحيد يكمن في دخول الرئيس الاميركي المنتخب جو بايدن إلى البيت الأبيض، فوصفته أوساط ديبلوماسية بـ”المَزحة”، لأنّ لبنان لن يكون على قائمة أولويات واشنطن في الأشهر الأولى للإدارة الجديدة. وبالتالي، على المسؤولين أن يحزموا أمرهم بعيداً عن الاتكالية والكسل السياسي، والدفع في اتجاه لبننة الاستحقاق الحكومي بدلاً من تدويله من دون طائل. ويرى المراقبون انّ السنة المنصرمة قد تكون من أسوأ السنوات التي مرّت على لبنان بسبب الأزمات التي لا يَد له فيها، كالأزمة الصحية المتعلقة بكورونا، والأزمات التي للمسؤولين اليَد الطولى في إيصال لبنان إلى ما وصلَ إليه من كوارث ومآس، لكنّ الهمّ الأساسي لدى الناس يبقى في طريقة التصدي للأزمة المالية من دون حكومة قادرة على تحقيق الإصلاحات التي تفتح باب الإصلاحات.
مع مطلع السنة الجديدة ستبقى الأنظار مشدودة إلى عودة الرئيس المكلف سعد الحريري من الخارج، ومعاودته مساعيه مع رئيس الجمهورية. كذلك ستبقى مشدودة في اتجاهين: بكركي وقصر الإليزيه. فعلى رغم الكلام العالي النبرة للبطريرك بشارة الراعي، إلّا أنه أكد عدم تخّليه عن وساطته التي سيُعاود تفعيلها في الوقت المناسب، كما انّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، الذي تعافى من كورونا، سيُعاود جَدولة مواعيد زيارته للبنان في السنة الجديدة، وتجديد الدفع في اتجاه توليد الحكومة.
المأزق والعجز والخوف
وأبلغت مصادر مطلعة الى “الجمهورية” انّ المأزق الحكومي المتمادي والمقفل أظهَر في وضوح حجم العجز لدى القوى السياسية، التي أُسقِط في يدها وباتت تدور في دوامة عبثية.
ونقلت تلك المصادر، عن قيادات اساسية، إقرارها بالعجز والخوف من تداعياته المحتملة، وسط خشية من ان تزداد الأمور تعقيداً وتدهوراً بعد نحو شهرين، اذا بقيت المراوحة سائدة، بحيث تصبح فرصة الصعود من الهاوية أضعف وأصعب.
واشارت إلى أنّ من يربط الإفراج عن الحكومة بتسَلّم الرئيس الأميركي جو بايدن السلطة رسمياً هو مُخطئ، لأنّ لبنان ليس أولوية الإدارة الجديدة التي ستكتشف انّ الرئيس دونالد ترامب ترك لها ملفات ملغومة ومُلحّة، تبدأ من العلاقة المتوترة مع الصين، مروراً بتحديات ”كورونا” والاختراقات الروسية السيبرانية، وصولاً الى عدد من القضايا الدولية والاقليمية التي تهم مصالح الولايات المتحدة وتسبق الملف اللبناني في ترتيب الأهمية والاهتمام.
واعتبرت انّ المطلوب من عون والحريري والقوى الأخرى، مع بداية السنة الجديدة، هو تَبادل التسهيلات والتضحيات بمعزل عمّن كان ظالماً او مظلوماً في مفاوضات تشكيل الحكومة في السابق، وإلّا فالج لا تعالج اذا لم يتغير أصل المقاربة.
الحريري الى باريس
وفيما غابت النشاطات الخاصة بتأليف الحكومة، لم تلحظ المراكز الرسمية اهتماماً بهذا الملف وكأنه بات على الرف، تزامناً مع تأكيد دوائر القصر الجمهوري عدم حصول أي جديد. وكذلك الجمود الذي لَفّ نشاط “بيت الوسط” في ظل غياب الحريري، الذي قيل انه بات في الرياض بعد زيارته الامارات العربية المتحدة ليومين، وذلك قبل ان ينتقل اليوم الى باريس حيث سيمضي ليلة رأس السنة الى جانب عائلته.
الموقف الفرنسي
في هذه الاثناء، برز أمس موقف فرنسي عَبّر عنه رئيس لجنة الصداقة النيابية اللبنانية – الفرنسية في مجلس النواب الفرنسي النائب لوييك كيرفران، يتلخّص في أنّ “المبادرة الفرنسية لا تزال قائمة، وأنّ فرنسا لا تترك لبنان في هذه الظروف”، مشيراً الى أنّ “الرئيس الفرنسي ملتزم تعهداته تجاه لبنان”. وقال: “هذا ما رأيناه من خلال الزيارتين المتتاليتين اللتين قام بهما الى هذا البلد، وكذلك من خلال مؤتمر الدعم الدولي الذي دعا إليه رؤساء الدول بِهَدف تقديم الدعم له، وقد حصل لبنان من خلاله على 280 مليون دولار كمساعدات إنسانية”. وأكد أنّ ماكرون “لديه إرادة ورغبة في زيارة لبنان، على أن يُحدّد موعد جديد للزيارة وفقاً للظروف”. ولفت الى “ضرورة تأليف حكومة جديدة كشرط أساس لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة والحصول على المساعدات الدولية، خصوصاً من خلال مؤتمر “سيدر”.
موقف “حزب الله”
كذلك برز موقف لـ”حزب الله” عَبّر عنه عضو كتلة الوفاء للمقاومة النائب علي فياض، في حديث تلفزيوني، فقال: “إنّ الجميع يريدنا ان نضغط على حليفنا “العوني” ليتخلّى عن شروطه، لكنّ المسألة تتطلب تنازلات من الجميع.” وأكد أنه “لم يتمكّن أحد حتى اللحظة من تأكيد ما قيل عن انّ الرئيس المكلّف تشكيل الحكومة سعد الحريري مُربَك لأنّ هناك فيتو أميركياً على عدم مشاركة “حزب الله”، حتى باختصاصيين، في الحكومة”.
وردّ فياض على سؤال عن مواقف البطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي عن الحليف، قائلاً: “فلنُطلق المواقف بواقعية ومسؤولية، والحريري يدرك انّ “حزب الله” مَرن بتشكيل الحكومة، وما يتّصل بنا جَرت معالجته بهدوء”. ورأى أنّ “التحليلات التي تربط تشكيل الحكومة باستلام جو بايدن الرئاسة الأميركية غير مقنعة”، مركّزا على أنّ “العقبات داخلية، والحلول يجب أن تكون داخلية”. وتوجّه إلى مَن يراهن على تشكيل الحكومة بعد تسلّم بايدن، قائلاً: “ما لم تعالج العقبات الداخلية فالحكومة لن تولد قريباً، حتى لو استلم بايدن الحكم”.
جعجع واستقالة عون
في المقابل، أكد رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع “أننا نريد حلاً وليس خطوات نظرية”. وأشار إلى أنّه “ما من شك في أنّ رئيس الجمهورية العماد عون هو جزء كبير من المشكلة الحالية إلّا انه ليس المشكلة كلها. وما من شيء يمنعنا كما أننا لسنا ضد استقالته، لكنّ هذا الأمر لا يحل المشكلة في الوقت الراهن. ولكي نتأكد من ذلك، ليس علينا سوى أن نفترض أنه تقدّم باستقالته اليوم ونرى ماذا سيحصل. الذي سيحصل هو أنّ الأكثرية ستجتمع غداً لانتخاب رئيس آخر مثله أو أسوأ منه، وفي هذه الحال جُلّ ما نكون قد حققناه هو أننا أضعنا مزيداً من الوقت سُدى. لذا، الامر الوحيد المفيد القيام به اليوم هو الذهاب إلى جوهر المشكلة، حيث الحل يكمن في الانتخابات النيابية المبكرة”.
دياب
الى ذلك، وفي الوقت الذي لفّ الجمود معظم المواقع الرسمية، لوحِظ عودة النشاط الى السرايا الحكومية، حيث عقد رئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب مجموعة اجتماعات متخصّصة بعدد من الملفات الحيوية. وبرزت عودته الى السرايا قبل يومين على نهاية السنة، حيث التقى للمرة الاولى منذ فترة الاعلاميين في دَردشة خصّصها لتسجيل مجموعة مواقف من ملف “كورونا” وإمكان تجدد العمل ببرامج الاغلاق في حال ساءت الاوضاع الصحية أكثر، ومن ملف ترشيد الإنفاق الذي لم تُقاربه بعد النشاطات التي خصّصت لإعادة تصنيف ما يمكن الاستمرار في دعمه من عدمه، مُكرّراً الهجوم على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومتّهماً إيّاه بحَجب الارقام الجديدة عن موجودات مصرف لبنان التي يمكن استخدامها في الدعم عنه، ومُستغرباً إشارته الجديدة قبل ايام قليلة الى وجود ملياري دولار يمكن استخدامها في هذا المجال، ومطمئناً الى أنها تكفي، في حال اللجوء الى برامج الترشيد، لـ6 أشهر إضافية. وأكد دياب أنّه “مجروح بعمق. فلقد أتيتُ منذ البداية لكي أحارب الفساد “بِطلَع آخِر شي أنا الفساد”، لأنني لم أزُر المرفأ؟”.
وعن عدم زيارته للمرفأ قبل حصول الانفجار، قال: “لنفرض أنّني زرتُ المرفأ في 4 حزيران الماضي وكشفتُ على العنبر 12، فإنني سأقوم بإرسال كتاب إلى المسؤولين الأمنيين الذين يعرفون بالأمر أصلاً منذ 7 سنوات”. وسأل: “هل يعرف أحد متى فتحت الفجوة في العنبر رقم 12 ومَن فتحها؟ إنّ تقرير “أف. بي. آي” كشف أنّ الكمية التي انفجرت من ”نيترات الامونيوم” هي 500 طن فقط، فأين ذهبت الـ2200 طن المتبقية؟ من هو صاحب السفينة؟ وكيف دخلت؟ ومن سمح لها بذلك…؟”.
وأشار الى أنّ “التقرير وصَله في 22 تموز الماضي، فحَوّله رأساً إلى الوزراء المختصّين، وصودِف وجود إقفال بموجب قرار التعبئة العامة بسبب وباء “كورونا” وعيد الأضحى وعيد الجيش”. مشيراً الى أنّه ”أوّل رئيس فتح الباب لصوّان، وأخبرته بكلّ شيء”.
وعن المسار النقدي بعد رفع السرية المصرفية، قال: “تأخرنا كثيراً في المزايدات والخلاف السياسي”، مشيراً الى أنّ “المصارف باعت قسماً كبيراً من السندات وانخفضت النسبة إلى 58 في المئة، وبقيت السيولة في الخارج، ولو أجرَينا إعادة جدولة الدين، أي تأجيل الدفع لـ20 سنة، لكنّا تنفّسنا مالياً واقتصادياً لـ3 سنوات”.
وعمّ يمكن للحريري تقديمه ولم يستطع هو تقديمه؟ قال دياب: ”قبول المجتمع السياسي، لا تكفي الكفاءة ونظافة الكف والوطنية للنجاح، بل يجب أن يتوافر التوافق السياسي”.
كورونا
صحياً، أعلنت وزارة الصحة العامّة في تقريرها اليومي، أمس، حول مستجدات فيروس كورونا، تسجيل 2298 إصابة جديدة (2281 محلية و17 وافدة)، ليصبح العدد الإجمالي للإصابات 175118. وكذلك تسجيل 21 حالة وفاة جديدة، ليصبح العدد الإجمالي للوفيات 1430.
يَسترجِعون الشارع
من جهة ثانية، وتحت شعار “الطلاب يَسترجِعون الشارع”، ووسط إجراءات أمنية مشدّدة، تجمّع طلاب الجامعة الأميركية وطالباتها في شارع “بلس” أمس، محاولين اقتحام المدخل الرئيسي للجامعة، قبل أن يتّجهوا الى المدخل الثاني للجامعة المعروف بمدخل الحرم الطبي، حيث تكرّر مشهد الأيام العشرة الماضية. فاندلعت مواجهات بين الطلاب والقوى الأمنية، وحصل ضرب بالهراوات ووقَع تَشابك بالأيدي، وكان ردّ الطلاب الرشق بالحجارة وأغصان الأشجار.