عون يصطدم بجدار حزب الله ليعوّض خسارته المسيحيين
في اجتماعه مع رئيس وأعضاء المجلس الدستوري، أراد رئيس الجمهورية ميشال عون نقل المشاكل الداهمة في لبنان إلى مكان آخر. فعون لا يزال يصارع لتغيير الدستور أو تفسيره بما يتلاءم مع مصلحته. وهو لا يفوت فرصة إلا ويثبت عدم اعترافه باتفاق الطائف والدستور الذي انتخب على أساسه.
ومعارك عون كلها هدفها تعزيز واقعه المسيحي وواقع تياره الذي أثبتت الدراسات والإحصاءات أن التيار العوني في حالة تراجع هائلة في البيئة المسيحية. وتقول الأرقام والدراسات إن القوات اللبنانية حققت تقدماً هائلاً في الشارع المسيحي، كما حقق حزب الكتائب رفعاً لأرقام مؤيديه، فيما النسبة الأكبر من المسيحيين صارت في خانة المترددين الذين لا يؤيدوا أحداً.
عون بلا مسيحيين
وهناك رهان في الشارع المسيحي على الحركة العونية الاعتراضية التي يقوم بها رموز منها، لاستقطاب المزاج الشعبي اليائس من ممارسات رئيس الجمهورية، ومواقف صهره رئيس التيار جبران باسيل. وكذلك من التحالف العوني مع حزب الله الذي خسّر المسيحيين كل ما راكموه طوال السنوات الماضية.
لا شيء لدى عون سوى بحثه عن كيفية تعويض هذه خسائره وتعويم شعبيته في البيئة المسيحية. لكن ما يصطدم به تياره مباشرة، هو تحالفه المستميت مع حزب الله. ولم يعد هناك من وسيلة لإقناع المسيحيين بالسير في ركاب هذا التحالف، الذي يصب دوماً في صالح حزب الله، الذي يسيطر سياسياً وعسكرياً على القرار في البلد. وذلك من خلال توفير شطور تؤيده من الطوائف. أما اقتصادياً ومالياً فيعمل حزب الله على ترتيب أوضاعه وأموره من خارج جسم الدولة والمؤسسات التي تنهار. وقد يخدم انهيارها سياسات الجزب إياه، وهي بلغت في انهيارها درجة فقد معها المسيحيون مكتسابتهم في بنية النظام اللبناني.
تكريس الانهيار
أصبح من الصعب جداً على التيار العوني إقناع بيئته وجمهوره بجدوى التحالف مع حزب الله. فهو تحالف يتخطى لبنان. لذا يقف التيار أمام خيار من إثنين: إما الاستمرار بتحالفه هذا، ومراكمة المزيد من الخسائر الشعبية والسياسية. وإما البحث عن تمايز حقيقي يستخدمه عون وباسيل لاعادة شد العصب المسيحي والتفوق على الآخرين، إنطلاقاً من أن السلطة بيدهما ويجب أن تكون عاملاً محفزاً لهم.
فمنذ الانتخابات النيابية الأخيرة، وحصول العونيين وحلفائهم على الأكثرية النيابية، فقدوا ورقة المعارضة التي كانت سبيلهم إلى توسع مؤيديهم في الشارع، ويستندون إليها لتقديم تيارهم في صورة الضحية المضطهدة دوماً. لكن حصول العونيين وحلفائهم على الأكثرية النيابية ورئاسة جمهورية والأكثرية الحكومية، لم يستطع عون استثماره لتحسين الأوضاع في البلاد، بل لتكريس انهيارها. وهذه لها مفاعيل سلبية كبيرة على واقعه السياسي ومستقبل تياره وصهره الوريث.
عودة إلى التشدد؟
ويلجأ التيار العوني حالياً إلى أساليب متعددة للقفز فوق هذه الحقائق والوقائع. ويتوقع كثيرون أن علاقة عون مع حزب الله ستسوء في المرحلة المقبلة، إلا إذا فضل الحزب العلاقة مع التيار على علاقاته السياسية الأخرى. وهذا ما حاوله نصر الله في إطلالته الأخيرة، حين أشار ضمناً إلى تفهم موقف التيار العوني المتشدد في عملية تشكيل الحكومة. وذلك لأن التيار ورئيسه باسيل يعتبران أن ما يجري هو حرب إلغاء تخاض ضدهما.
لكن موقف حزب الله هذا لن يكون كفيلاً بتحسين علاقته بالتيار العوني، الذي أصبح يحتاج إلى محاكاة الغبن والغضب المسيحيين. وهذا ما كان يفعله عون سابقاً، سواء مع حزب الله قبل التحالف، أو مع تيار المستقبل ما قبل التسوية الرئاسية.
سحب تكليف الحريري؟
سوف يستخدم عون وباسيل كل ما يمكن استخدامه في هذه المعركة. وهي بدأت بالتحقيقات في تفجير مرفأ بيروت، واستكملت بكلام عون عن تفسير الدستور واعتباره من صلاحية المجلس الدستوري لا المجلس النيابي. وهذا لاستدعاء استنفار سياسي ودستور مسيحي ضد بري. وكانت المواقف متطابقة بين نبيه بري ووليد جنبلاط وفؤاد السنيورة ونجيب ميقاتي وتيار المستقبل، في مشهد يستخدمه عون ليشير إلى وجود تكتل إسلامي في مواجهته.
لن يترك عون ورقة تشكيل الحكومة من دون استخدامها أيضاً في لعبة شد العصب المسيحي، سواء في زيارته الأخيرة إلى بكركي، أو بتأكيده أن الحريري يخوض حرب إلغاء الموقع المسيحي القوي. وهذا قد يرد عليه عون بتلويحات متعددة: سحب التكليف من يد الحريري، واستعادة صلاحيات رئيس الجمهورية ما قبل اتفاق الطائف.
هذا كله عود إلى بدء: مزيد من الانقسامات والتوتر السياسي والشعبي. وقطار الانهيار مستمر في سيره إلى الهاوية مع ما تبقى من نظام ومؤسسات، وعلى المدى الطويل لن توفر الصيغة السياسية للبنان.
المدن