الحريري يحصن جبهة الداخل مع بري وجنبلاط والسنيورة !
يعود لبنان محطّ أنظار واهتمام الدول. يراد له أن يكون على خطوط متعارضة. قد تلتقي فيها بعض الوقائع وقد تفترق. كل خطّ إقليمي، بأبعاده الدولية، يسعى لأن يكون حاضراً على الساحة اللبنانية. فرنسا لا تزال العنصر الثابت، منذ تفجير المرفأ، همّها الأساسي مواجهة النفوذ التركي في لبنان وعلى البحر الأبيض المتوسط. إيران حاضرة بقوتها ونفوذها مصرّة على استمرار مسارها نفسه، وغير جاهزة لتقديم أي تنازل لأي طرف إقليمي، تجمع كل أوراقها لطرحها على طاولة واحدة في جلسات متتالية مع الولايات المتحدة الأميركية حصراً. إسرائيل تريد من لبنان ترسيم الحدود وإرساء الإستقرار في الجنوب بعد معالجة ملف الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى. المملكة العربية السعودية أدارت ظهرها، ورفعت بشكل واضح مطالبها بتشكيل حكومة لا يكون فيها حزب الله، ولا تقديم لأي مساعدات طالما حزب الله موجود. جمهورية مصر العربية تفعّل تحركاتها للوصول إلى تسوية تحفظ لبنان بكيانه ودستوره ونظامه، تلاقت استراتيجياً مع المبادرة الفرنسية، وبعدها دخلت دولة الإمارات على الخط المساند للمبادرة الفرنسية، من خلال التنسيق مع القاهرة وباريس، وهناك لقاءات سيعقدها إيمانويل ماكرون الأسبوع المقبل. تركيا تطمح لأن يكون لها دور ووجود ونفوذ، هي مرفوضة سياسياً، لكنها قادرة على الإستثمار بدخول قطر المرغوبة من قبل الجميع.
كل هذه الحسابات والخطوط أصبحت متشابكة بشكل واضح في لبنان، وليس بالضرورة أن تتعارض كلها، لا يمكن لأيّ منها العمل إلا تحت السقف الأميركي. منذ فترة جددت فرنسا مبادرتها، وأكثرت من تحركاتها ووساطاتها، وصولاً إلى استقبال سعد الحريري بعد زيارتين أجراهما إلى مصر والإمارات. الثلاثاء وصل الحريري إلى باريس، قبل بدء لقاءاته مع المسؤولين، أجرى اتصالات بشخصيات لبنانية، بينها الرئيس نبيه بري، الرئيس فؤاد السنيورة، ووليد جنبلاط… هنا خلاصاتها:
1 – مع بري كان الحريري مصمماً على موقفه، قابلاً للتساهل لكن شرط عدم التخلي عن الحكومة المصغرة، وعدم إعطاء الثلث المعطل لأي طرف. بقي بري على موقفه الداعم أيضاً، وألمح إلى أن حزب الله غير متحمس إلى الثلث المعطل ولا يغطي باسيل.
2 – مع السنيورة، أكّد الحريري أنه سيلتقي ماكرون في اليوم التالي، وأنه لن يتنازل عن أي موقف من مواقفه، وسيستبق أي محاولة فرنسية لإقناعه بالتنازل كما حصل سابقاً.
3 – مع جنبلاط لم يجرِ أي حديث في السياسة، سلام وكلام، إبلاغ بأنه أصبح في باريس وسيعقد لقاءات، وإذا ما كان جنبلاط يحتاج شيئاً من هناك، ردّ جنبلاط السلام، انتظر الرجلان بعضهما البعض لمن يبدأ أولاً في الحديث في السياسة، أحجم كل واحد منهما، فانتهى الاتصال إلى لا شيء.
في الموازاة، كانت هناك اتصالات عربية، خصوصاً مصرية، بالفرنسيين حول ضرورة إبقاء المبادرة الفرنسية وفق جوهرها، وعدم إضاعتها، كما حصل سابقاً عندما تدخل ماكرون وأقنع الحريري بالتنازل عن وزارة المالية. وشدّدت مصر على موقفها الذي كانت قد أبلغته إلى الحريري: حكومة مهمة مصغّرة لا تضمّ حزبيين، لا ثلث معطل فيها لأي طرف، ولا مجال للتنازل، لأن ذلك سيعد انهزاماً وانكساراً.
هذا الموقف تبلّغه الحريري بوضوح من خلال الآتي:
1 – الثناء على موقفه بعدم تقديم التنازل وإصراره على طرحه.
2 – حكومة لا تضمّ شخصيات حزبية.
3 – حكومة من 18 وزير وعدم رفعها إلى عشرين وزيراً.
4 – وقد تبلّغ الحريري صراحةً بأنّ أيّ تنازل يقدمه يعني أنّه لم يحقّق شيئاً، ولن يحقّق في المستقبل، ولن يكون قادراً على إقناع المجتمعين العربي والدولي بهذا التنازل.
5 – قيل للحريري كذلك بشكل واضح: لا يمكنك التذرّع بوضع البلد لتقديم تنازل، فهذا أمر لا يرتضيه لا السنّة، ولا جزء واسع من المسيحيين، ولا طرف أساسيّ من الشيعة.
6 – خلاصة الموقف المصري أنّه لا يمكن للحريري تكرار تجربة حسان دياب، ومواجهة أزمة حقيقية على صعيد انطلاقة الحكومة وعدم حصولها على أي مساعدات.
في موازاة هذه المواقف المصرية التي شُرِحَت بدقّة للفرنسيين، كان في لبنان تخوف من أن يلجأ الفرنسيون إلى الضغط على الحريري، عبر استسهال دفعه إلى التنازل، في وقت ليس وارداً أن يتنازل عون. جرى التداول بأفكار متعدّدة، بينها رفع عدد الحكومة إلى عشرين، مقابل أن يسمّي الفرنسيون وزيرين مسيحيين، كي لا يحصل عون على الثلث المعطل، مصادر الحريري تنفي ذلك بشكل قاطع. بينما هناك من بقي على خوفه.
خلال توجه الحريري من الإمارات إلى باريس، كان وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني موجوداً في لبنان. بحسب المعلومات فإنّ الزيارة حُدِّدَت يوم الأحد، بعد يوم واحد من اتصالات تلقّاها الوزير القطري من مستشار الأمن القومي الأميركي ومستشار الأمن القومي الإيراني، الصورة الواضحة التي تقدمها قطر بأنّها ستلعب دوراً بين الأميركيين والإيرانيين. لم يكن من داعٍ للزيارة إلا إذا كانت هناك أسباب سياسية غير معلنة دفعت إلى حصولها.
هناك قراءتان لهذه الزيارة:
الأولى: أن قطر لا تريد أن تكون غائبة عن الساحة اللبنانية، وأنها نسقت الزيارة مع تركيا غير القادرة على التقدم في لبنان إلا من خلال قطر، وبالتالي تحاول حفظ موقع مستقبلي لها في لبنان، عندما تنضج التسوية، ورغبة منها في عدم ترك الإمارات وحيدةً، بعدما دخلت عنصراً مسانداً إلى جانب الفرنسيين والمصريين.
الثانية: أنّ قطر وجدت في استعصاء نجاح المبادرة الفرنسية فرصة لإثبات دورها وحضورها وفعاليتها، خصوصاً أن عون لم يحصل في تاريخه أن قدّم تنازلاً إلا في مؤتمر الدوحة. فكانت الزيارة كنتاج لاتصالات قطرية بالإيرانيين حول إمكانية تسهيل تشكيل حكومة في لبنان، فتستفيد قطر من علاقاتها مع أميركا، إيران، حزب الله، وجهات أخرى، في محاولة لإقناع باسيل وعون بالتنازل وبالتالي تكون هي وحدها التي أنجحت المبادرة الفرنسية، وهنا يندرج تصريح الوزير القطري حين قال إنّ زيارته مكملة للمبادرة الفرنسية ولا تتعارض معها.
هناك من يعتبر أنّ زيارة الوزير القطري لم تكن إلا لهدف واحد وهو عقد لقاء مع حزب الله ومع باسيل، وبحسب المعلومات فإن المسؤول القطري قد التقى بالطرفين، وحاول إقناع باسيل بتقديم تنازل، لأنّ الوضع ما عاد يُحتمَل.
كلّ ذلك ليس بالضرورة أن يؤدي إلى حلّ، وتشكيل حكومة. الجواب الشافي بانتظار ما سيحمله الحريري من باريس، وكيف ستكون ردّة فعل عون وباسيل.
أساس