الجيش يتمرد على السياسيين ويرفض احتراقه بالشارع
لن يتمكن أحد من ردع هذه الفوضى. وكان كلام قائد الجيش جوزيف عون في اجتماعه بكبار الضباط، هو الأصدق والأصرح إطلاقاً. قال إن الأزمة سياسية، ويتحمل السياسيون مسؤوليتها، وهم الذين يطلقون الحملات على الجيش.
استقلال الجيش وحيادهكان جوزيف عون واضحاً في عدم وضع الجيش في مواجهة المحتجين. وقال إنه لن يسمح بتكرار تجربة 1975. أي أن الجيش لن يكون طرفاً، ولن يُستخدم في أي صراع. وموقفه هذا يقود عملياً إلى خلاصة واحدة: التزام الجيش ثكناته، وعدم زج القوات العسكرية في مواجهة المحتجين. خصوصاً أن العسكري معاناته كمعاناة المواطن الذي يتظاهر ويحتج في الشارع.
يعلم قائد الجيش أن ما يجري ليس سوى معركة سياسية، وحربٍ ضروس بين الأقطاب السياسيين، لا يريد أن يكون وقوداً فيها. وهو حمّل القوى السياسية المسؤولية، وردّ على رئيس الجمهورية ميشال عون. وعلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب، الذي عمل على تخفيض موازنة الجيش، وكانت له مواقف تنال من المؤسسة العسكرية.
وغمز قائد الجيش من قناة تيار المستقبل والرئيس سعد الحريري، في قوله إنه لن يسمح بالتدخل في التشكيلات العسكرية. وهذه رسالة بمفعول رجعي، رداً على خلاف حصل بين الرجلين سابقاً على تعيين مدير مكتب مخابرات الشمال. وتجلى الخلاف في الموقف العنيف الذي أطلقه الحريري يوم أحداث طرابلس متسائلاً عن دور الجيش والمخابرات.
قطع طرق بلا ناس
لو صدر هذا الموقف عن قائد الجيش في 17 تشرين الأول 2019، لكانت الناس تقاطرت أكثر فأكثر آنذاك إلى الشوارع والساحات، ولاستمرت في ذلك، ولوضعت القوى السياسية على اختلافها في أزمة وجودية حقيقية. فموقف الجيش يمنح غطاء للتظاهرات. وما يجري اليوم في المناطق اللبنانية وشوارعها مختلف تماماً عما جرى في 17 تشرين، ولا يشبهه. بل إن متظاهري 17 تشرين كانوا من نوعية وطبيعة مختلفة. ما يجري هو قطع طرق فقط، عارياً من الناس، ولا متظاهرين/أت ولا تظاهرات ولا ساحات يملأها المتظاهرين/ات.
هذا الوضع يفتح الباب على احتمالات وتساؤلات كثيرة: من هي الجهة، بل الجهات، التي تتظاهر في الشارع؟ والوضع إياه يفتح باب مروحة واسعة من الاتهامات للجيش.
سيناريوهات عسكرية
وهذا المنطق رفضه الجنرال جوزيف عون. طبعاً هناك من يخرج ليقول إن الجيش يعمل وفق حسابات سياسية. فهو لا يريد التدخل كي لا يحترق.
وهناك أيضاً من يقول إن عمليات قطع الطرق واضحة المعالم، وواضحون رعاتها. وليس من مصلحة قائد الجيش الوقوف في وجهها ووجههم. وهذه المعمعة بدورها تقود إلى اتهامات لها سياق آخر: من وجه يمكن اعتبار أن جوزيف عون يعمل وفق حسابات رئاسية. أو لقول تلك العبارة: “الجيش هو الحل”.
ومن وجه آخر قد يكون الأمر يبغي تحقيق خطوات متقدمة للذهاب إلى طرح الحكومة العسكرية أو المجلس العسكري. وهذه كلها تبقى في إطار السياقات السياسية اللبنانية الدائمة: إلقاء المسؤولية على الآخرين.
اتهامات ولا سياسة
أصبح لبنان في وضع بالغ الصعوبة. وما يحدث والتصرف حياله وردود الفعل عليه، إنما يحدث لحظة بلحظة، وليس يوماً بيوم. والرؤى السياسية معدومة. والمبادرات غائبة وغير قادرة على التأثير.
رئيس الجمهورية وفريقه وبعض حلفائه يتهمون خصومهم بتحريك الشارع وقطع الطرق. وعون يحمّل نبيه برّي المسؤولية، ويقول إن هدفه الضغط عليه لتشكيل حكومة بشروط سعد الحريري.
معارضو عون وحزب الله يعتبرون أن ما يحصل يحظى بغطاء من حزب الله، وهدفه الضغط على الحريري لتشكيل حكومة بشروط حزب الله ورئيس الجمهورية.
المدن