مسار لبنان الأسود: الفوضى تقوّض الأمن وإسرائيل تتربّص
يذهب لبنان إلى انهيار فظيع. هناك من يعتبر أنه قادر على السيطرة على الوضع في اللحظة الأخيرة. وربما هم يراهنون على ذلك. ولكنها مغامرة خطرة جداً، ولن تكون محسوبة النتائج. ثمة من يشبّه الواقع اللبناني في مساره الحالي بأنه مقبل على ما حدث للصومال. فيما الحسابات السياسية المعقدة، تبدو أنها أهم من كل التدمير الممنهج والانهيار المستمر. لم يعد لبنان بعيداً عن الانهيار الشامل. صرخة وزير الخارجية الفرنسي كانت أبلغ التعبيرات، عن المسار الأسود، وعن الاستعصاء السياسي.
معارك دونكيشوتية
الحراك في الشارع لا يمكن أن يتحول إلى العنف بمعناه الحقيقي. وأي عنف لن يكون تطوراً طبيعياً للاحتجاج الشعبي. إنما بحال انفجار العنف سيكون مدفوعاً ومخططاً، بهدف ضرب هذا التحرك، واختراقه عبر تخويف الناس، ودفعهم إلى التراجع والبحث عن لقمة العيش التي يمكن استعطاؤها من القوى السياسية والطائفية. فيكون ذلك مدخلاً لعملية ترقيع جديدة، تشبه الأزمات السابقة التي مرّ بها لبنان. لكن الخطأ الكبير هو الاعتقاد بإمكانية حل الأزمة الاقتصادية بالاتكال على مساعدات خارجية، ووقف التهريب وإجراء بعض الإصلاحات. الأمر أصبح مختلفاً جداً، والأزمة عميقة جداً، وقادرة على عرقلة أي مشروع للحلّ.
الإجراءات السياسية، والمطالب السيادية، والبحث في سلاح حزب الله، على أهميتها، لن تؤدي إلى تخفيض سعر صرف الدولار. فهذا يحتاج إلى خطة ممنهجة للنهوض الاقتصادي من خلال القطاعات المنتجة. وهذا أمر لا يأتي أحد على ذكره أو التفكير به. إنهم يخوضون معارك وهمية ودونكيشوتية في محاربة ارتفاع سعر صرف الدولار بالأمن والعسكر. وهذا سيفاقم المشكلة الى أقصى الحدود. لا أحد يتعاطى مع الأزمة بقدر من الجدية يشير إلى حجم المأزق الاقتصادي. والدليل على ذلك، هو ما جرى في مجلس النواب، من خلال الاحتفاء بإقرار قرض البنك الدولي وتوزيع مساعدات. وهذا كله يتنافى مع وجود خطة اقتصادية شاملة.
رهانات خطيرة
كل ذلك يربط لبنان أكثر فأكثر بأزمات المنطقة، وبدول الطوق المنهار، من العراق إلى سوريا واليمن، تعيش هذه الدول أزمات على إيقاع العلاقة الأميركية الإيرانية، والتي على ما يبدو أن مسارها سيكون طويلاً وبعيد المدى. وعلى هذا المسار تراهن بعض القوى السياسية للوصول إلى أي اتفاق قد ينعكس إيجاباً على لبنان. إلا أن هذا الرهان سيكون خاسراً، ولن يؤدي إلى إيجاد أي حل للمشكلة.
هذه السيناريوهات تقود لبنان إلى مراحل خطرة جداً، خصوصاً مع تنامي الضربات العسكرية التي يقوم بها الإسرائيليون ضد القوات الإيرانية في سوريا. هذه الضربات لم تعد مقتصرة على سوريا فقط. بل أصبحت في وسع البحر، وقابلة لأن تنعكس على لبنان في المرحلة المقبلة، وفق تقديرات وقراءات أميركية كثيرة. خصوصاً في ظل عدم وجود أي بوادر إيجابية للتفاوض على ترسيم الحدود. وبحال توسع أفق التوتر في الإقليم، حينها لن يكون لبنان مستبعداً من أن يعود مسرحاً لمثل هذه العمليات، من دون قدرة أي طرف على لجم هذه التطورات. هذا أمر أساسي سيكون من الملفات الأساسية التي سيتم بحثها خلال زيارة وفد من حزب الله إلى روسيا يوم الإثنين المقبل.
تلاشي الأمن
يدخل لبنان في طور “امبراطورية الفوضى”، والتي ستتجلى بكل أشكالها الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية. الأزمة التي يعيشها لبنان ستبقيه في دوامة دورية من الفوضى، لن يكون من السهل الخروج منها. ذلك يمكن اختصاره كله بجملة واحدة قالها وزير الداخلية: “إن الأمن قد تلاشى”. ما يعني تلاشي أي وظيفة تقنية لفرض القانون في لبنان، وهذا ربع جبل الجليد. السياسة المتبعة حتى الآن واضحة تجلياتها، من خلال الإيهام بالحلول الجزئية، وتحريض القطاعات الاجتماعية على بعضها البعض، كما حصل منذ إقرار سلسلة الرتب والرواتب، او من خلال قانون الإيجارات، أو الدولار الطلابي، أو اقتراح المليون ليرة للعسكريين.. وهذه كلها تؤدي إلى زيادة منسوب الفوضى، التي كانت واضحة في الإشكالات التي حصلت داخل المحلات التجارية على المواد المدعومة، وهي مشاهد ستتكرر بكثرة.
المدن