العالم الافتراضي وظاهرة الموت …
الدكتور مروان أبو لطيف*
بعد أن رسّخ العالم الافتراضي وجوده الذي لا غنى عنه بموازاة العالم الواقعي ، وانتزع منه وكالة غير قابلة للعزل ، وبعد أن تكرست وسائل التواصل المتعددة بين ذينك العالمين بغض النظر عن الاشكاليات التي واكبت وستظل تواكب العلاقة بينهما ، بدأت ظاهرة الموت تأخذ ابعاداً جديدة في اعماق النفس البشرية ، ثم جاءت جائحة كورونا لتكرس ما كان يبدو ملامح لظواهر جديدة او إرهاصات لحركة قادمة .
فالنفس البشرية اعتادت منذ القدم على فكرة النعي في حالة الموت ، الامر الذي جعل الاذن تشكل البوابة الاولى لتلقي الخبر ، حتى صارت كلمة خبر في الموروث الشعبي واللغوي المواكب مرادفاً لمعنى الموت . اليوم وفي ظل اجتياح وسائل التواصل لنقل الاخبار باتت العين هي البوابة الاولى لتلقي الخبر سواء عبر النص المكتوب او الصورة المرفقة .
كما تقلصت كثيراً مراسم العزاء الحضورية المعهودة وطقوسها المواكبة ، وصارت تستبدل بكلمات او أحرف او مصورات على صفحات الفيسبوك او الواتساب او سواهما من الوسائط . هنا لا شك لعبت جائحة كورونا دوراً حاسماً في تسريع ما كان يبدو قادماً الينا ببطء ، وإن بنسب متفاوتة بين مجتمع وآخر .
وهكذا على خط التماس بين العالم الافتراضي ومفاعيل جائحة كورونا باتت ظاهرة الموت تكتسب في خفايا النفس البشرية معاني وانعكاسات جديدة ، ليس آخرها ذلك الرعب المكبوت من الجائحة وتلك الاعتيادية المعلنة على الموت عبر وسائل التواصل .
هي عِبر مستجدة يستنسخها الموت لعبر قديمة راسخة في النفس البشرية ، وإن طمسها عند غالبية بني البشر ذلك التعلق المَرَضي بالدنيا ، وحب السلطة والجاه ، وعبادة المال ، والغفلة عن مرور الزمان !
*كاتب وطبيب