بين حب الاوطان والكرامة الزائدة…
نقولا أبو فيصل يكتب…
يبدو أنه في الآونة الأخيرة قد أصبحنا عاجزين عن إدارة علاقاتنا مع بعضنا البعض ، بعد انتشار ثقافة الكرامة الزائدة وعدم التنازل من باب “حفظ ماء الوجه”، والاعتقاد أن كل علاقة يجب أن تقترن بمصلحة او منفعة شخصية ، مما أدى إلى سطحية كبيرة في التعامل، وصار كل شخص يريد أن يربح على الآخر ويسجل هدفًا في مرماه ، فيقوم بالقاء اللوم على غيره ، ويصنف نفسه من جنس الملائكة ، وهذه بالاساس لم تكن من عادات الشعب اللبناني المعروف عنه قديما باتصافه بصفات العاطفة الزائدة وصولا الى التسامُح الزائد عن الحد الطبيعي ، واعتقد ان هذا التحول هو السبب الاساسي لاهتزاز العلاقة داخل العائلات وصولا الى العلاقة بين الحكام وبين الحاكم والمحكوم .
قيل ان الكرامة الزائدة هى مرض وهي أطول مسافة بين شخصين ! وقالوا ايضا ان حال الحكام والكرامة الزائدة هي حال الزيت والماء ﻻ يختلطان مع بعضهما البعض .
في السياسة كما في المجتمع يموت الحب بين امرأة عنيدة ورجل ذي كبرياء ، لينتظر كلّ منهما أن يبدأ الآخر حديثه ! هي تظنّ أنه ليس مهتمّا” فتبتعد…وهو يظنّ أنه لم يخطر على بالها فيبتعد… مظلوم جدا” الحب بينهما الذي يقتله الصمت، في حين كلّ منهما يتمنى الآخر..والملاحظ ان نفس المشهد يتكرر في السياسة في لبنان منذ حوالي الثمانية اشهر وقد دخلنا في الشهر التاسع لتأليف حكومة لن اطلق عليها اي تسمية والارجح “طلعت نفخة وما في حبل” . حكام لبنان مثل شعبهم يعانون ايضا من الكرامة الزائدة التي لا يملكها الكثيرون من حكام العالم او انهم تنازلوا عنها بتواضعهم ومحبة شعوبهم لهم ، وفي الاصل لا يوجد عندنا سياسيون فقراء في لبنان لانهم أغنياء اكثر من اللزوم لامتلاكهم الكرامة الزائدة التي تخولهم الاستفادة من تخفيضات كبيرة في الاسواق الحرة والمطارات على اسعار السيكار الكوبي والكونياك الارمني الذي يرغبه ذوو تلك الكرامات الزائدة.
شعب لبنان معروف بعناده ولم يقبل يوما النصيحة : “فلو تتركون تلك الكرامة الزائدة مثل الآخرين من بعض الشعوب العربية لكنتم بخير” ولا اعتقد ان محبي هذا الوطن قد قصروا بالاجابة على اصحاب النصائح هذه ،وأعتقد انه من حقي ان اضيف “ان الله خلق كل روح للعبادة ولتمجد الله وحده بإخلاص ولم تخلق “لتذل” من أجل حاكم”..
فقط العبيد هم من يقلقهم الطعام أكثر من الكرامة ويجدون الركوع اقل ايلاما من ضرب العصا ،لذا نسألك اللهم ان تعطي شعبك القوة ليدركوا أنّ الخائفين لا يصنعون الحرية، والضعفاء لا يخلقون الكرامة، والمترددين لن تقوى أيديهم المرتعشة على البناء. اللهم نسألك ان تحفظ لبنان من شر الكرامة الزائدة واستجب يا رب ..
كاتب ورئيس مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع