نصرالله يكرّس معادلته جنوباً و”عدالته” مرفأً
ينطلق حزب الله في مواجهة أي محاولات أو مساع للخروج من التعليب السياسي الواضح للصراع، انطلاقاً من خلفية تثبيت السلطة ولو على حساب النظام. كل ما يجري هو عملية هدفها إعادة إنتاج النظام أو تعديله، مقابل الحفاظ على السلطة التي يتمتع بها سياسياً أو ميدانياً أو حتى إعلامياً. وذلك يتنافى مع منطق مسار الدول، الذي يفرض محاسبة السلطة بحال أخطأت، لا محاسبة النظام.
من الجنوب إلى المرفأ
التركيز الفعلي في كلام أمين عام حزب الله، السيد حسن نصر الله، كان حول نقطتين أساسيتين. الأولى، حول الوضع في الجنوب وإبقاء نفسه ممسكاً بالمعادلة كلها، وسط خروج أصوات تطالب بتغيير الوقائع، ولن يكون آخرها البطريرك الماروني بشارة الراعي. أما النقطة الثانية، فهي تتعلق بتفجير المرفأ والتحقيقات حوله، وسعي اللبنانيين إلى الخروج من اللعبة المنتهجة من قبل السلطة ويشكل حزب الله حصانها الأقوى.
ينطوي كلام نصر الله على مخاطر تتعلق بالتحقيقات والقاضي طارق البيطار. أوحى كلام نصر الله بأنه يتخذ موقفاً ضد التحقيق أو مساره. موقفه شكّل عاملاً مزعزعاً للتحقيق، ولكنه ينطلق من حسابات أساسية في حال غوص التحقيق في خبايا متعددة قد يؤدي إلى خلخلة ملفات متعددة وفتح الكثير من الملفات الأخرى. وهو ما لا يريده الجميع، لأنه ينطوي على تورط أكبر من الأسماء التي تم الإدعاء على أصحابها. كذلك ركز مجدداً على أخذ التحقيق إلى مجرى آخر وهو مسألة التعويضات وشركات التأمين. موقف نصر الله يندرج في سياق مواقف بعض الأطراف التي تبحث عن إبعاد القضايا عن حقيقتها. كما هو الحال بالنسبة إلى المرفأ، وكذلك بالنسبة إلى طريقة التعاطي مع بعض الإشكالات التي تحصل بين قوى حزبية متفرقة.
مواجهة غير مباشرة
ما حصل في شويا، أو ما حصل في الجميزة بين الشيوعيين وحزب القوات اللبنانية، تحاول بعض القوى الاستثمار فيها بتصوير الأمر وكأنه إعادة إحياء لخطاب الحرب الأهلية وممارستها. وهذا من أكبر الأخطاء، لأن عناصر الاشتباك أي الشبان لم يكونوا جزءاً من الحرب الأهلية ولا من ذاكرتها. ولذا، ثمة إشاحة بالنظر عن المشكلة الأساسية والأهم، وهي عدم رغبة القوى في مواجهة بعضها البعض بشكل مباشر. فمثلاً القوات لا تريد مواجهة حزب الله بشكل مباشر، ولا تريد خوض مواجهة ضد التيار الوطني الحرّ. بل تريد أن تكون المواجهة غير مباشرة، فيتم استخدام طرف كالحزب الشيوعي لتكون المواجهة غير مباشرة، فتعمل القوات على تعزيز شعبيتها، وتقديم تصور بأنها تواجه حزب الله والتيار الوطني الحرّ من خلال حلفاء لهما. الأمر نفسه ينطبق على حادثة شويا، واتهام الذين اعترضوا طريق الشاحنة بالعمالة السابقة للعدو الإسرائيلي، علماً أن الشيخ الذي اتهم بالأمر صغير السن، ولم يكن قد بلغ سن المراهقة أيام وجود الإحتلال الإسرائيلي في لبنان.
الردع والسطوة
لا بد من التمييز بين السلطة والنظام. السلطة هي حزب الله القادر على التحكم بكل مفاصل الدولة والمؤسسات ويحدد السياسات الخارجية، بينما النظام أصبح هامشياً غير ذي تأثير. وما يريد الحزب تكريسه حالياً في عملية تشكيل الحكومة أو غيرها من الاستحقاقات السياسية، هدفه الأساسي منه إعادة إنتاج النظام كما هو هشاَ ضعيفاً لا دور له سوى دعم وتعزيز هذه السلطة. وبالتالي، يراد قلب الوقائع المنطقية، وجعل السلطة ثابتة بينما النظام هو المتغير الذي يعاد بناؤه بما يتلاءم مع مصلحة السلطة وتكريسها وتقويتها. تلك النقطة أحد المفاتيح الأساسية لفهم حقيقة الصراع الدائر اليوم.
وهذا يتأكد من مضمون كلام نصر الله والمعادلة التي يريد حزب لله ترسيخها في الجنوب، خصوصاً عندما تحدث عن الردّ وعن حماية المقاومة للبنان بمواجهة الاعتداءات الإسرائيلية بدلاً من الدولة اللبنانية ومؤسساتها، وحتى ما يراد للجيش في هذا الأمر بأن يكون عنصراً مساعداً للحزب في مهمته هذه، وفق المعطى الذي تم تثبيته بعد إطلاق سراح العناصر الذين أطلقوا الصواريخ وتسليم الشاحنة. ولكل ما جرى أبعاد داخلية بحتة. أما خارجياً فقد رسّخ نصر الله بكلامه الالتزام بقواعد الاشتباك، والبقاء تحت سقف قواعد اللعبة وعدم اختراقها، على قاعدة ضربة مقابل ضربة، من دون الذهاب إلى أي وجهة جديدة من اتجاهات الصراع. وذلك لن يكون له أي أثر خارجي سوى تثبيت معادلة الردع، والتهديد بأن أي استهداف داخل لبنان سيقابله رد داخل الأراضي المحتلة، بشكل لا يؤدي إلى تغيير موازين القوى ولا تغيير الوقائع على الأرض.
انعكاس ذلك كله سيكون مزيداً من تعزيز سطوة حزب الله وسلطته في الداخل.
المدن