“مساكنة” أميركية لحزب الله: الاقتصاد والجيش وشبه حكومة
تتمدد حال التفكك في لبنان على الصعيدين الاجتماعي والسياسي، في دائرتين: قاعدة الهرم الاجتماعي بطبقاته الدنيا، أو “شعوب الشعب اللبناني” المنقسمة سياسياً وطائفياً ومذهبياً. ودائرة الطبقة السياسية والحياة السياسية.
متاهة التفكك
وحال التفكك الأساسية تتفشى بقوة من أعلى الهرم السياسي الداخلي والخارجي، وتشترك فيها أطراف لبنانية وإقليمية ودولية. وفكرة هذا التفكك يقوم جوهرها على أن الأولويات والمسارات التي يسلكها لبنان، ينفصل بعضها عن البعض الآخر. وهي تتعلق بالمحاور الإقليمية وحزب الله والسلاح وترسيم الحدود، ومرتبطة بالتطورات الخارجية والمفاوضات الإقليمية. وهذا كله يحصل من خارج إطار المؤسسات وقواعدها. لا بل ينعكس سلباً أو إيجاباً على آلية عمل الحكومة وتعطيلها.
وفي المقابل هناك التفكك المتعلق بالملفات المالية والاقتصادية، وسط عجز الحكومة عن القيام بما يلزم لمواجهة هذا التفكك.
وفي حال النظر إلى الرؤية أو المصلحة الأميركية، نرى أن الأميركيين يهتمون بمفاوضات ترسيم الحدود. وهذه آلياتها من خارج الحكومة. وهم يهتمون بدعم الجيش، على نحو استراتيجي، لكن من خارج الحكومة أيضاً.
أما في الإصلاحات الاقتصادية وصلتها بصندوق النقد الدولي، فإن هذا المسار يحتاج إلى حكومة، التي يُستغنى عنها في المعنى المباشر، ويُعتمد عمل اللجان والاجتماعات الجانبية والثنائية.
تمسك أميركي بالحكومة
والمدى الزمني للمفاوضات مع صندوق النقد مرتبط بالحسابات الانتخابية وتوقيتها. وهنا لا شك في أن رئيس الحكومة والوزراء المعنيين يتخذون خطوات من شأنها أن تقود لبنان إلى براثن رأس المال الداخلي والخارجي، تحت شعار الإصلاحات.
ومن هنا تبرز أهمية التمسك الأميركي بهذه الحكومة، وعدم التفريط بها، للوصول إلى ما يشبه هذه الاتفاقيات ذات الأبعاد المتعددة، كملفات الطاقة، والاستثمارات الأجنبية، ووضع المرافق الكبرى تحت سيطرة الشركات العالمية. وهذا يحصل من خارج المؤسسات الدستورية أيضاً. أي خارج آليات الديموقراطية والمراقبة، ووسط تصورات مخالفة لآراء الشعب اللبناني.
التطبيع الاقتصادي
ولا ينفصل هذا الواقع عن استجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان. فمساعي البنك الدولي لإنجاز هذا الملف تنصب على إنضاج الصيغة منذ أشهر. ولها بعد استراتيجي يتعلق بربط لبنان بمسار “التطبيع” الاقتصادي في دائرة الشرق الأوسط. وهذا قد يقود لاحقاً إلى تجميع كل مصادر التمويل والأصول في صندوق موحد يحتوي على كل ثروات الدولة واللبنانيين.
وفي موازاة ذلك يتم تمرير رفع الدعم عن الدواء وغيرها من السلع، وصولاً إلى رفع التعريفات الجمركية أو تعرفة الكهرباء والماء. وفي المقابل يجري منح مكرمات من خلال زيادة الرواتب أو البطاقة التمويلية، ما يؤدي إلى ارتفاع منسوب التضخم.
سياسة المساكنة
هذه الوقائع، مع استمرار النزاع بين القوى السياسية على ملفات متعددة -كالصراع بين حزب الله والقوات اللبنانية، والصراع على القضاء، والأزمة الديبلوماسية مع دول الخليج- تقود إلى عدم التعاطي مع لبنان كدولة، بل كأطراف، منها تستعمله منصة لإطلاق الصواريخ واستدراج العروض السياسية. وأخرى تبحث فيه عن استثمارات وعقود طويلة الأجل. وهناك من يحاول إنتاج مساكنة سياسية جديدة، على غرار المساكنة السابقة التي كانت أيام رفيق الحريري الذي أدار الاقتصاد، مقابل احتواء سوريا حزب الله والسياسة الخارجية.
أما المساكنة اليوم فقد تكون بين جماعة العقود والاستثمارات، أي الشق الاقتصادي، والشق السياسي الذي يمثله حزب الله سياسياً وعسكرياً واستراتيجياً. ويبحث هؤلاء عن قواسم مشتركة في ما بينهم، لتوفير ظروف المساكنة: ملف ترسيم الحدود، الانتخابات وإجراؤها في موعدها، وما قد ينجم عنها من نتائج. وهي قد لا تؤثر على المسار السياسي العام في البلد، بل ربما تزيد من عوامل الانقسام والتفكك
المدن