عون في خطاب الاستقلال.. يسرد مصائب العهد
جدد رئيس الجمهورية، ميشال عون، مواقفه ذاتها، في كلمة ألقاها بذكرى الاستقلال مساء اليوم الأحد. أشار عون إلى وجود أزمات متعددة تصيب لبنان وعمل الحكومة، ومن بينها الأزمة التي استجدت وأدت إلى تعطيل الحكومة وعرقلة عملها، معتبراً أن حلها سهل، وهو الإلتزام بالدستور الذي ينص على الفصل بين السلطات. وبذلك يلتزم عون بموقفه الرافض للذهاب إلى تسوية سياسية حكومية تنص على التدخل بمسار عمل القاضي طارق البيطار، أو حصر تحقيقاته بين مديرين وموظفين، وترك التحقيق لمجلس النواب مع الرؤساء والوزراء والنواب. أما حول الأزمة الخليجية فقد أكد عون أن لبنان حريص على أفضل العلاقات مع دول الخليج وخصوصاً السعودية، لكنه لم يطلق أي موقف واضح حول موقفه من استقالة وزير الإعلام جورج قرداحي، معتبراً ان الدستور اللبناني ينص على احترام حرية التعبير. توجه عون إلى اللبنانيين كي لا يغرقوا في اليأس، كما دعاهم إلى الثقة بدولتهم، والمشاركة في تحديد وجهتها وخيارها في الانتخابات النيابية.
وقال عون:” يطل علينا العيد الثامن والسبعون لاستقلال لبنان، والوطن لا يزال غارقاً في بحر من الأزمات المتلاحقة، تمنعنا من عيش فرحته، ولكن لا يمكنها أن تمنعنا من عيش معانيه”، لافتًا إلى أنه “لقد دفع لبنان واللبنانيون غالياً ليتحوّل الاستقلال من ذكرى إلى عيد، ومن حقّنا لا بل من واجبنا جميعاً أن نتمسك به، ونسعى لتحصينه”.
واعتبر أن “الاستقلال للدولة هو قرارها الحر وحماية مصلحة الوطن مع المحافظة على أفضل العلاقات مع جميع الدول؛ أما الاستقلال للمواطن فهو مؤسسات دولة قادرة وموثوقة تحميه وتؤمن له حقوقه، ويؤمّن لها ما عليه من واجبات”، موضحًا أن “الاستقلال للمواطن هو بحاجة إلى نضال يومي للحفاظ عليه، واستعادة ما خسرناه للخروج من واقع مرهق يتخبط به وطننا وشعبنا، وإلى تعاون صادق بين جميع مكونات الوطن جماعات وأفراداً؛ أما الاستغلال السياسي للأزمات فلن ينتج إلا مزيداً من التأزم والتشرذم”.
القضاء واستقلاليته
وأوضح أن “أربعون بالمائة من عمر هذا العهد مرّت من دون حكومة بعد تعثر عمليات التشكيل جراء عقبات مصطنعة وصدامات ما أدى الى تأخير المعالجات وتفاقم الأزمات”، لافتًا إلى أنه “بمخاض عسير وفي ظروف ضاغطة ولدت حكومة “معاً للانقاذ” وكانت التحديات أمامها ضخمة وشائكة، أزمة مالية ونقدية غير مسبوقة وأزمة معيشية وصحية خانقة، ضمور اقتصادي وارتفاع معدلات البطالة والهجرة والفقر”.
واشار إلى أنه “التزمَت الحكومة برنامجاً واقعياً يضع لبنان على طريق الخروج من النفق، وما إن بدأت تتلمس طريقها حتى توقفت بفعل أزمة مستجدة اختلط فيها القضاء بالأمن بالسياسة”، معتبرًا أن “إنّ المخرج من الأزمة الحكومية ليس بمستعصٍ، وقد أوجده لنا الدستور وتحديداً في الفقرة “هـ” من مقدمته التي تنص على أن النظام اللبناني قائم على مبدأ الفصل بين السلطات”.
وسأل “هل سنلتزم سقف الدستور ونترك ما لقيصر لقيصر وما لله لله لتعود الحكومة الى ممارسة مهامها في هذه الظروف الضاغطة، أم سنسمح للخناق أن يشتد أكثر على رقاب أهلنا وأبنائنا في معيشتهم وأمنهم؟ وهل ندرك فعلاً مدى الأذى الذي يصيب مجتمعنا جراء تعطّل الحكومة؟ إن هذا الوضع لا يجب أن يستمر”.
الأزمة مع السعودية
وشدد على أن “أزمة أخرى استجدت مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج أدت إلى اهتزاز العلاقات بينها وبين لبنان وإلى تداعيات سلبية على عدة صعد بما فيها الواقع الحكومي”، مؤكدًا على موقف لبنان “الحريص على إقامة أفضل العلاقات مع الدول العربية الشقيقة لا سيما منها دول الخليج، انطلاقاً من ضرورة الفصل بين مواقف الدولة اللبنانية وبين ما يمكن أن يصدر عن أفراد وجماعات، خصوصاً وأن مقتضيات النظام الديمقراطي في لبنان تضمن حرية الرأي والتعبير”.
ولفت إلى أنه يسعى “لحل الأزمة المستجدة مع المملكة العربية السعودية وعدد من دول الخليج، وآمل أن يكون الحل قريباً”، وتوجه إلى الشعب اللبناني بالقول “أنتم تريدون المحاسبة، ودوماً تطرحون السؤال البديهي “لماذا لم يوضع أحد وراء القضبان بعد”؟ لم يوضع أحد وراء القضبان بعد لأن المحاسبة هي للقضاء، وما خلا ذلك اتهامات إعلامية قد تصيب وقد تخيب، ولا يمكن لأحد أن يدخل السجن من دون حكم قاضٍ”.
وتوجه إلى القضاة قائلاً “يا قضاة لبنان، الاتهامات كثيرة وكذلك المتهمون، الجميع نصّب نفسه قاضياً ومدعياً ومحامياً، الجميع يتهم والجميع متهم”، لافتًا إلى أنه “لا زال بإمكان القضاء اليوم أن يأخذ المبادرة إن استطاع أن ينأى بنفسه عن كل المداخلات ويلتزم النصوص القانونية التي ترعى عمل السلطة القضائية واستقلاليتها وتصحح أي شطط ممكن أن يعترض أداءها. وليتذكر الجميع، سياسيين وروحيين وقضاة أنه إذا كان القضاء بخير فالوطن بخير”.
الانتخابات والفساد
ولفت إلى أنه “قريباً ستتاح لكم فرصة للتغيير، إجعلوا من صندوق الاقتراع سلاحكم ضد الفساد والفاسدين ومن تربّوا على نهجهم، بعد أن ثبت، وعلى مرّ السنوات الثلاثين الماضية، أنهم متجذّرون عميقاً، ومحصنون بشتى الخطوط الحمر”، مشيرًا إلى أن “الانتخابات هي فرصتكم وفرصة الوطن الحقيقية، فلا تسمحوا لهم أن يعودوا بأقنعة جديدة وبأثواب مستوردة، وبمال سياسي لا خير فيه ولا منّة منه، بل كل سوء في ضرب صدقية الانتخاب ومحاولة السيطرة على مفاصل الحكم بخاضعين لإرادات خارجية”.
وشدد على أن “الفساد المتجذر بكل مفاصل الدولة يسعى أربابه بالتكافل والتضامن لضرب أي محاولة للإنقاذ، وما حصل ويحصل في التدقيق المحاسبي الجنائي في حسابات مصرف لبنان هو خير شاهد على ذلك”، معتبرًا أن “التدقيق الجنائي هو الإجراء البديهي الذي يشكل انطلاقة لأي عملية إصلاحية في مختلف مرافق الدولة ولكشف أسباب الانهيار وتحديد المسؤوليات تمهيداً للمحاسبة واسترداد الحقوق”.
وتابع “راقبوا جيداً واعتلموا المعرقلين بعد سقوط الأقنعة، هي منظومة الفساد إياها، وأمامكم قريباً فرصة لإيقافها فلا تهدروها”، مؤكدًا على أن “هموم الداخل لا يمكن أن تنسينا المواجهة الحقيقية من أجل الدفاع عن سيادتنا وتحرير الباقي من أرضنا وحماية حقوقنا في مياهنا، وكان خيارنا ولا يزال التفاوض غير المباشر لترسيم حدودنا البحرية الجنوبية، وهناك إشارات إيجابية بدأت تلوح للتوصل الى اتفاق يضمن مصلحة لبنان وسيادته على مياهه وثرواته الطبيعية، ويؤدي الى استئناف عملية التنقيب عن النفط والغاز”.
الجيش
وتوجه الى العسكر، بالقول “أنتم من هذا الشعب وأنا منكم، وأعرف جيداً أوضاع المؤسسة وتداعيات الأزمة الاقتصادية والمعيشية عليها والتي مهما اشتدت لن تستطيع النيل من التنشئة والعقيدة لديكم، وستواصلون تحمّل المسؤولية الملقاة على عاتقكم مهما تضاعف ثقلها، والمحافظة على الأمن والاستقرار دوركم اليوم وكل يوم، وكلي إيمان بأنكم كنتم وستبقون دوماً صمام الأمان وموضع ثقة مواطنيكم”.
وأردف قائلًا “حاذروا خطاب الكراهية الذي يستعر مع اقتراب المواسم الانتخابية، حاذروا الترويج الذي يتولاه بعض الإعلام لزرع الشقاق وضرب الثقة بين بعضكم البعض وتذكروا أنكم أبناء وطن واحد، وأنكم بعد إقفال صناديق الاقتراع ستعودون للعيش معاً وعليكم أن تبقوا حزمة واحدة متماسكة للعمل من أجل إنقاذ لبنان”.
وختم “عشية ذكرى الاستقلال، ليكن إيمانكم بوطنكم أكبر من أي تشكيك، فهذا الوطن واجه عبر تاريخه محطات ونكبات شتى وخرج منها معافى، لا بد أن يسلك مرة جديدة درب التعافي مهما بلغت الصعوبات”.