بين الانفصال عن الذات والاتصال بها.. وجود لله
نقولا ابو فيصل*
إذا كانت معرفة الذات تقتضي الابتعاد عنها بعض الوقت ، فإن معرفة الآخرين تتطلب على العكس نوعاً من الإتصال ، وما بين الإنفصال والإتصال تتمدد ذواتنا تارة وتنكمش طورًا لتصير أقرب الى الله ،ولعل اصدق تعبير هو للامام علي بن ابي طالب حين قال: “حد العقل الانفصال عن الفاني والاتصال بالباقي” وفي شرح الانفصال عن الفاني فإن معناه هو الانفصال عن البشر والحيوان والنبات وكل شيء يفنى والاتصال بالباقي الذي هو الله .
يؤسس مفهوم القرب والبعد للعادات والتقاليد والقلق والحزن ثم يأتي اليأس لينهي حياة الذات ويؤدي الى انحسار أحلام الانسان وطموحه ويطبع علاقاته بالفشل والاستسلام التام في الحياة لذلك يحتاج الإنسان الى التماثل والاختلاف في علاقاته الاجتماعية ،وأن يعيد أهمية المسافات التي تتطلب منه القرب من ذاته مما يجعله غنيًا نفسيًا وثقافيا وإجتماعياً .
على أن السفر والتجوال حول العالم يساعدنا على إكتشاف أنفسنا ويظهر مدى حاجتنا الى الاختلاء مع ذاتنا في الحياة وتحررنا من العصبية والتصلب الذهني حيث تتسع رؤيتنا وتسمح لنا استحضار الأخرين ،وهكذا يمكن للانفصال أن يقوي الاتصال ويخلق رغبة جامحة وعواطف صادقة وحب حقيقي ،كما يزيد من متانة الاقتراب والاستقرار بعيداً من الانعزال الذي تسبب بالانفصال ،وهكذا يكتشف الانسان حبه للاخرين بعيدًا من التملك والسطو على وجودهم وكينونتهم ويتجنب أن يخسر نفسه ويخسرهم.
*كاتب ورئيس تجمع الصناعين في البقاع رئيس مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية