تقييم “الثنائي” لـ”هزيمته”: قانون الانتخاب.. وخلافاتنا الداخلية
دخلت كلّ القوى السياسية في تقييم النتائج التي حققّتها في الانتخابات النيابية. وبناءً عليه ستخرج باستنتاجات تبني عليها للمرحلة المقبلة. وأكثر من غيره، وفي مقدّمهم، باشر “الثنائي الشيعي” وحلفاؤه دراسة أوّلية للأرقام التي أفرزتها صناديق الاقتراع في كلّ الدوائر الانتخابية للبناء عليها وتبيان مكامن الخلل مقابل نقاط القوّة.
يرفض حزب الله الدخول المبكّر في تشريح الأرقام التي نالها مرشّحوه ومرشّحو حلفائه في صناديق الاقتراع قبل أن يطّلع عليها بدقّة. وإن كان أمينه العام السيد حسن نصر الله لم يخفِ في إطلالاته الأخيرة الأسباب التي منعت نجاحهم بمقاعد إضافية في البرلمان.
كان يمكن لحزب الله وحلفائه إحراز نتائج متقدّمة على تلك التي حقّقوها لولا بعض الثغرات التي تركت ندوبها على العملية الانتخابية وتتقدّمها الخلافات داخل البيت الداخلي، وقانون الانتخاب، وبدرجة أهمّ اتّكال بعض الحلفاء على حزب الله ليكون هو الرافعة في صندوقة الاقتراع وتقاعسهم عن القيام بواجبهم تجاه ناخبيهم في مناطقهم.
الخلافات بين الحلفاء، وعلى وجه الخصوص القطيعة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل التي انعكست انعدام ثقة وصراعاً خفيّاً بين مناصري الطرفين انتخابياً
انطلاقاً من إعلان السيد حسن نصر الله أنّ المعركة الأهمّ هي تأمين فوز حلفائه، يمكن الاستنتاج أنّ حزب الله لم يحقّق انتصاراً انتخابياً كاملاً على هذا المستوى، بل مُنِي بخسارة فادحة جعلت عدداً من حلفائه البارزين خارج الندوة البرلمانية.
في كلّ مرّة كان يستعدّ للانتخابات كان يحاذر من اعتبار المعركة محسومة لمصلحته خشية عواقب تراجع حماسة الناخبين واطمئنان الجميع إلى النتيجة مسبقاً. حتى الشيخ نعيم قاسم المسؤول عن ملفّ الانتخابات تنبّه إلى محاذير مثل هذا التعاطي، إذ لمس وجود نقاط ضعف كبيرة في صفوف الحلفاء، ولم ينجح في تلافي آثارها على الرغم من محاولته الحثيثة لمعالجتها. وعلى مستوى الساحة السنّيّة حيث بدا الفراغ واضحاً، لم ينجح حزب الله وحلفاؤه في ملء هذا الفراغ على الرغم من المحاولات، فاستفاد منه المجتمع المدني وحقّق نتائج غير متوقّعة.
هذه هي الأسباب
من باب الاستنتاجات الأوّلية يلخّص مصدر بارز في الثنائي الشيعي الأسباب التي حالت دون تحقيق النتائج المرجوّة انتخابياً على الشكل التالي:
– بثّ أجواء توحي بأنّ معركة الثامن من آذار محسومة له، وهو ما جعل خصومه يستعدّون جيداً لمعركتهم ويحشدون ويتوحّدون لخوض المعركة في دوائر كثيرة، وهذا خطأ أساسي وقوي لأنّه جاء بمنزلة استفزاز دفع ثمنه في صناديق الاقتراع.
– قانون الانتخاب نفسه الذي بفضله استطاعت قوى المجتمع المدني أن تنفذ إلى المجلس النيابي على حساب غياب تيار المستقبل، وتعزّز حضورها، وتحقّق فوز نواب بأصوات لا تزيد على مئة، بينما يخسر مرشّح جمع ما يزيد على 10 آلاف صوت في دائرته.
– الخلافات بين الحلفاء، وعلى وجه الخصوص القطيعة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل التي انعكست انعدام ثقة وصراعاً خفيّاً بين مناصري الطرفين انتخابياً. تسبّب هذا الخلاف في خسارة الثنائي وحلفائه. فإذا كانت ضربة انتخابات 2009 تجسّدت في خسارة زحلة فإنّ نكبة انتخابات 2022 تمثّلت في خسارة جزّين التي كان لها سببان: خلاف أمل والتيار وخلافات التيار الوطني الحر الداخلية.
– تصويت المغتربين الذي شابه عدم تكافؤ فرص بين المرشّحين لنيل أصوات ناخبيهم من المغتربين في دول الانتشار، فصبّت النتائج لمصلحة دوائر على حساب أخرى، وهو ما كان يمكن أن يكون موضع طعن لو أراد حزب الله ذلك. منذ البداية أدرك حزب الله أنّ نسبة التصويت للمغتربين ستحدث فرقاً في بيروت الأولى وجزّين وزغرتا وغيرها من الدوائر، بينما لن تُحدث فرقاً في دوائر أخرى.
كان يمكن لحزب الله وحلفائه إحراز نتائج متقدّمة على تلك التي حقّقوها لولا بعض الثغرات التي تركت ندوبها على العملية الانتخابية وتتقدّمها الخلافات داخل البيت الداخلي
– أداء الحلفاء وتقاعسهم عن خوض معركتهم، فكانت النتيجة أنّهم خسروا مقاعدهم النيابية من أمثال أسعد حردان وطلال أرسلان وغيرهما. وهناك من نجح بفارق ضئيل من الأصوات وجاء نجاحه صدفة.
– صحيح أنّ نسبة التصويت الشيعي ارتفعت وزادت معدّلاتها عن العام 2018، لكنّ هذا لا يلغي حقيقة أنّ حزب الله شكّل رافعة انتخابية لبعض الجهات الحزبية لتحافظ على مقاعدها النيابية لكن بأرقام لم تلامس المعدّلات المأمولة. والمقصود هنا على وجه التحديد حركة أمل التي تراجعت بنسبة 11 في المئة، وهو ما يفرض مراجعة داخلية لأسباب هذا التراجع في كلّ الدوائر تقريباً.
– وجود ترشيحات كان يمكن تلافيها، مثل ترشيح مروان خير الدين في حاصبيا مع أنّ نجاحه مشكوك فيه لكونه مصرفياً، والناس أضاعت جنى أعمارها في المصارف. وترشيح إبراهيم عازار الذي تنبّأت استطلاعات الرأي بخسارته، ومع ذلك كان إصرار على ترشيحه وتبنّي معركته. وترشيح إيلي الفرزلي مع ضعفه في دائرته. وخلافات الحزب القومي وضعف مرشّحيهم في أكثر من دائرة.
ماذا عن “7 بضربة”؟
ينفي حزب الله في هذا الإطار المقولة التي شاعت في الآونة الأخيرة وتتحدّث عن خسارة متعمّدة لحلفاء سورية في الانتخابات النيابية. لكنّ الأصحّ أنّ الخسارة هذه لها عدّة عوامل، أهمّها أنّ هؤلاء خسروا ليس لأنّهم حلفاء سوريا، بل لوجود ثغرات في الترشيحات كان يمكن تلافيها.
أمّا السبب الأهمّ فهو أنّ كلّ حليف كان يعمل ضدّ الحليف الآخر .
لا يلغي سرد السلبيات وجود إيجابيات خرج بها الثنائي الشيعي من الانتخابات، ويمكن تحديدها على الشكل التالي:
– ارتفاع نسبة التصويت الشيعي لحزب الله وفوز مرشّحه الحزبي في جبيل مع كلّ الضغوط عليه.
– في بلد الطوائف نجح الثنائي في الفوز بكامل المقاعد الشيعية في البرلمان وعدم السماح لأيّ جهة من خارجهما بنيل أحد المقاعد الشيعية. وهذه كانت رسالة للغرب، إذ تمّ خرق كلّ الطوائف بمقاعد من خارج الاصطفافات السياسية المتعارف عليها، بما فيها الاشتراكي، بينما فشلت المحاولات داخل البيئة الشيعية.
– فوز الحلفاء بنسبة كبيرة ساعد قوى الممانعة على الحفاظ على حضور موزون، وإن كانت لا تشكّل الأكثرية النيابية، إلا أنّها أكثرية لا يمكن تجاوزها لا في تشكيل الحكومة ولا في مجلس النواب.
بالمحصّلة أُصيبت قوى الثامن من آذار بانتكاسة تستوجب الترميم والمعالجة العميقة للأسباب، وأنتجت الانتخابات مجلس نواب من ثلاث شعب، فتغيّرت موازين القوى النيابية لكن ضمن اللعبة السياسية الطائفية الداخلية وفي بلد محكوم بالتوافق قد يصعّب على أيّ أكثرية أن تحكم.
الأكثرية لا تحكم
في عام 2009 حقّقت قوى 14 آذار الغالبية ولم تستطع أن تحكم، وفي عام 2018 حقّق حزب الله وحلفاؤه الغالبية ولم يستطع أن يحكم. هي المعادلة التي يسلّم بها حزب الله للقول إنّ أيّ قرار لا يمكن أن يستفرد به طرف في لبنان.
إذا كان الجميع ينادي بالانتخابات على أساس أنّها الاستحقاق الذي يحدّد أحجام القوى والأحزاب السياسية فقد أظهرت هذه الانتخابات شرعية الثنائي الشيعي بجناحَيْه حركة أمل وحزب الله، بما لا يمكن تجاوز تمثيله داخل الحكومة ومجلس النواب. لأنّ تركيبة البلد الطائفية تُلزم الجميع بالتوافق، ولا يمكن لأيّ طرف إلغاء الطرف الآخر لا بالسياسة ولا بغيرها.
في قراءته الأوّليّة يرى حزب الله أنّ اللهجة العالية قبل الانتخابات وبعدها لن توصل إلى مكان. غداً ستشكَّل الحكومة فهل يمكن ذلك من دون مكوّن أساسي هو المكوّن الشيعي؟ وماذا عن رئاسة المجلس؟: “جرّبوا وجرّبنا ولم يستطع أيّ منّا بمفرده أن يحكم البلد”.
من المتوقّع أن يلجأ خصوم حزب الله بعد فوزهم إلى تعزيز نفوذهم في الدولة بعد مجلس النواب، ومحاولة تثمير الواقع الانتخابي الجديد في رئاسة الحكومة والحكومة وصولاً إلى رئاسة الجمهورية، ليتبيّن أنّ كلّ ما تقدّم كان هدفه التمكّن من المفتاح الأساسي لرئاسة الجمهورية، وهنا أصل الخلاف ومكمنه.