مفاوضات “شرسة” درءاً للفراغ: استمرارية الحكم أو ديمومة العهد
كتب منير الربيع في المدن
وصل لبنان عملياً إلى الأيام العشرة الأخيرة من ولاية رئيس الجمهورية ميشال عون. وفيها يتحول المجلس النيابي دستورياً إلى هيئة انتخابية لا هيئة اشتراعية. وبالتالي، لا قدرة دستورية للمجلس على منح الثقة للحكومة بحال تم تشكيلها. إلا أن رئيس مجلس النواب نبيه برّي لديه الفتوى اللازمة لذلك، في حال تم التوصل إلى توافق، على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات، وعلى قاعدة “استمرارية الحكم”. وعليه، تستمر محاولات تشكيل الحكومة والتي لا تزال تدور عند مربع واحد، لا يُختصر بالصراع على الحصص او الخلافات التفصيلية حول الوزراء. يبقى الصراع أبعد من ذلك ويتعلق بدور هذه الحكومة، ووظيفتها، ومواكبتها للفراغ الرئاسي.
بورصة حكومية
هذا الصراع هو الذي يجعل من ملف تشكيل الحكومة كالبورصة، تارة تكون الأجواء حوله إيجابية، وطوراً تطغى العناصر السلبية. في الأيام القليلة الماضية تفعلت حركة مكثفة على خط التشاور للوصول إلى صيغة حكومية مرضية للجميع. إلا أن المعطيات تفيد بأن الأمور لا تزال عالقة في الدائرة نفسها، حول حجم التعديلات التي سيتم إدخالها على هذه الحكومة، لا سيما أن رئيسها نجيب ميقاتي لا يريد الدخول في أي تغييرات من شأنها ضرب التوازنات التي تشكلت على أساسها حكومة تصريف الأعمال الحالية. فأي تغيير في الجوهر يفترض به أن يعيد وضع أسس وقواعد جديدة للتشكيل. وكان ميقاتي مرناً ومنفتحاً على خيار تعديل وزاري بسيط بوزيرين أو ثلاثة، إلا أن ما يطرحه التيار الوطني الحرّ هو تعديل ستة وزراء. ما يعني تغيير كل التوزانات، خصوصاً مع إصرار رئيس الجمهورية أن يكون الوزير الدرزي البديل لعصام شرف الدين محسوب عليه، وكذلك بالنسبة إلى تغيير عدد من الوزراء المسيحيين.
غايات باسيل
على الرغم من كل هذه التفاصيل، يبقى الصراع أبعد وأوسع من ذلك. هناك قناعة بأن لا نجيب ميقاتي ولا رئيس مجلس النواب نبيه برّي يريدان منح رئيس الجمهورية ميشال عون أي انتصار قبل أيام قليلة من انتهاء ولايته. ولذا، لن يتم التنازل له عن حصة حكومية يكون من خلالها قادراً على التحكم بمسار الحكومة، وكل ما له علاقة بإدارة الدولة، في مرحلة ما بعد انتهاء ولايته. لا سيما أن بري وميقاتي يعتبران أن المفاوضات القاسية التي يخوضها باسيل في ملف تشكيل الحكومة غايتها أن يكون ممسكاً بكم كبير من الأوراق، التي تمكنه من التعطيل لاحقاً، أو التفاوض على ملفات أخرى تبدأ بالانتخابات الرئاسية ولا تنتهي بالتعيينات.. والكثير من المقررات.
وعلى الرغم من الضغوط التي يمارسها حزب الله بهدف تشكيل الحكومة، تفادياً لصراع دستوري حول تولي حكومة تصريف الأعمال لصلاحيات رئيس الجمهورية، إلا أن الخلافات لا تزال مستمرة. فباسيل يفاوض من سقف مرتفع جداً لا يتعلق فقط بأسماء الوزراء، بل بتوقيت تسليمهم. إذ تقول مصادر متابعة أن باسيل يشترط تسليم أسماء وزرائه في اللحظة الأخيرة قبل توقيع مرسوم الحكومة، أي عند وصول ميقاتي إلى قصر بعبدا للقاء عون والإعلان عن التشكيلة. أما النقطة الثانية والأهم، فهي أنه في حال وافق ميقاتي على هذا الأمر لن يكون باسيل ملزماً بمنح الثقة للحكومة في المجلس النيابي. ما يعني إبقائها في خانة تصريف الأعمال. وهذا ما سيخلق جدلاً دستورياً جديداً.
تبقى أيام قليلة أمام حزب الله لتحقيق الإنجاز أو الإعجاز. وهو على ما يبدو أنه مصمم عليه.