نقولا أبو فيصل يكتب “بين منطق الانتقام .. وعقدة التسامح”!
يقول الإمام الشافعي: “لما عفوت ولم أحقد على أحدِ، أرحت نفسي من هم العداوات” وهكذا فإن دخول الانسان في معركة التسامح هو اكثر شجاعة وجرأة من دخوله في معركة الانتقام، فلا يوجد ما يمنع الإنسان من التسامح مثل خوفه من أن يفسر تسامحه أنه ضعفٌ، وإذا اتفقنا على ذلك، فإن أهم وسيلة لإشاعة استخدام التسامح بين الناس هو إقناعهم بأن التسامح قوة، وليس العكس، فالتسامح أشد إيلاماً وأثقل على النفس والعقل. في الماضي كانوا يقولون:” إن العفو عند المقدرة من شيم الكرام”، ولكن حينما يكون الظلم شديداً يميل الإنسان غالباً بالفطرة إلى الرغبة في طلب العقاب. فأيهما تختار صديقي القارئ التسامح أم الانتقام؟
الكتاب المقدس أجاب على هذا السؤال عبر الحث على التسامح والمغفرة في العديد من الآيات نورد بعضها “فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زلاتهم يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ (بطرس 3: 9) غَيْرَ مُجَازِينَ عَنْ شَرٍّ بِشَرٍّ أَوْ عَنْ شَتِيمَةٍ بِشَتِيمَةٍ بَلْ بِٱلْعَكْسِ مُبَارِكِينَ، عَالِمِينَ أَنَّكُمْ لِهَذَا دُعِيتُمْ لِكَيْ تَرِثُوا بَرَكَةً.(مَتَّى 18: 35) وَلَمَّلَهُمْ: “مَنْ كَانَ مِنْكُمْ بِلَا خَطِيَّةٍ فَلْيَرْمِهَا أَوَّلًا بِحَجَرٍ!” كُولُوسِي 3: 13 مُحْتَمِلِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا، وَمُسَامِحِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا. وَمَتَى وَقَفْتُمْ تُصَلُّونَ، فَٱغْفِرُوا إِنْ كَانَ لَكُمْ عَلَى أَحَدٍ شَيْءٌ، لِكَيْ يَغْفِرَ لَكُمْ أَيْضًا ابوكم ٱلَّذِي فِي ٱلسَّمَاوَاتِ زلاتكم. وفي انجيل (لُوقا 6: 37 ) لَا تَدِينُوا فَلَا تُدَانُوا. لَا تَقْضُوا عَلَى أَحَدٍ فَلَا يُقْضَى عَلَيْكُمْ اِغْفِرُوا يغفر لَكُمْ ، وإحتَرِزُوا لانفسكم ، وَإِنْ أَخْطَأَ إِلَيْكَ أَخُوكَ فَوَبِّخْهُ، وَإِنْ تَابَ فَٱغْفِرْ لَهُ (لو 17: 4) وإن أخطأ إليك سبع مرات في اليوم ورجع إليك سبع مرات في اليوم قائلا: أنا تائب فاغفر له (مَتَّى 18: 21-22 )حِينَئِذٍ تَقَدَّمَ إِلَيْهِ بُطْرُسُ وَقَالَ: “يَارَبُّ، كَمْ مَرَّةً يُخْطِئُ إِلَيَّ أَخِي وَأَنَا أَغْفِرُ لَهُ؟ هَلْ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ؟”. قَالَ لَهُ يَسُوعُ: «لَا أَقُولُ لَكَ إِلَى سَبْعِ مَرَّاتٍ، بَلْ إِلَى سَبْعِينَ مَرَّةً سَبْعَ مَرَّاتٍ.
ومسألة التسامح بحسب رأيي الشخصي تعتمد على الأشخاص والمواقف ، ومن تجربة شخصية، فإن التسامح يريح الانسان من الاثقال، لأن حمله للأحقاد يثقل النفس وينهك الجسم، لذلك، فإن مسامحة الإنسان لمن أساء اليه، يستفيد منها هو أكثر من الشخص الذي سومح، فالتسامح يكون من أجل النفس اولاً، رغم ان هناك وجهة نظر لا اتبناها كرجل مؤمن، وهي أن لا مكان للتسامح حين يكون الظلم قاسياً ولا يمكن تحمله، وربما لا يقوى احد على صده، فنحن نسامح، يقول البعض حين نمتلك القوة للمسامحة، ولا اعتقد أن الأمر حكيم عندما يكون الضحية تحت سطوة الجلاد ويقوم بمسامحته، بل يجب مقاومته والوقوف في وجهه بكل ما نملك من قوة، لأن ترك الجلاد يتمادى في أفعاله سوف يجعل منه طاغية، لهذا يجب مواجهته بكل قوة حتى زوال ظلمه، ولكن هل هناك ضحية أعظم من يسوع ؟ وهل من جلادين أكثر ممن صلبوه ؟ ورغم هذا سامح وطلب المغفرة لجلاديه.
*كاتب وباحث ورئيس تجمع الصناعيين في البقاع رئيس مجموعة غاردينيا غران دور الاقتصادية.