جبران باسيل الـ “بلا هويّة”
كتب داني حداد في موقع mtv:
أكتب، مرّةً جديدة، عن جبران باسيل. مقالٌ ينضمّ الى مقالاتٍ كثيرة فيها من المديح ومن الانتقاد، وكلّه في السياسة. لم أتعرّض يوماً للرجل بـ “الشخصي”، ولم أكتب مرّةً أنّه يملك طائرةً أو يختاً، ولم أطلق اتهامات من دون دليل، كما فعل كثيرون. الانتقاد السياسي حقّ، وأحياناً واجب.
ليس ما سبق بهدف التبرير. بل هو رسالة للأغبياء الذين يكيلون الاتهامات بمجرّد انتقاد زعمائهم، وهؤلاء يتواجدون في الأحزاب كلّها. في الأحزاب، عادةً، أغبياء وأنقياء.
موضوع المقال كلام باسيل الأخير، وفيه انتقاد مباشر لحزب الله. انزعج باسيل من عدم استعمال حزب الله قوّته ضدّ رياض سلامة. وهو لم ينزعج، منذ العام ٢٠٠٦ وحتى اليوم، من كلّ ما فعله الحزب في الداخل والخارج.
لم ينزعج من معارك حزب الله اللبناني في سوريا واليمن والعراق، ولا انزعج، وقد كان ميشال عون رئيساً وقائداً أعلى للقوات المسلّحة، من أنّ دخول أي جهاز أمني رسمي الى أماكن نفوذ الحزب يحتاج الى إذنٍ مسبق وتنسيق مع صديقه “الحاج وفيق”.
لم ينزعج باسيل من سطوة الحزب على مؤسساتٍ كثيرة، ومن حمايته للتهريب، ومن تعطيل الانتخابات الرئاسيّة أمس واليوم، ولم يشعر بالقلق على هويّة لبنان وصورته وثقافته وتاريخه بسبب ممارساتٍ للحزب. لم يجد نقطةً سوداء في تاريخ حزب الله سوى عدم “قبع” رياض سلامة.
وللتذكير، فإنّ باسيل كان وزيراً في الحكومة التي جدّدت لسلامة، بناءً على اقتراح الرئيس ميشال عون من خارج جدول الأعمال. ألم يكن سلامة فاسداً حين جدّدوا له؟
ولأنّ الشيء بالشيء يذكر، فإنّ عون وباسيل هاجما سعد الحريري واتّهماه بالفساد، و”الإبراء المستحيل” واحدٌ من أمثلة كثيرة، وكان الأول صاحب مقولة “وان واي تيكيت”، قبل أن يختار عون سعد الحريري ليكون رئيس حكومة عهده الأولى، بعد تسوية مصلحة عقدها الرجلان.
وكان وليد جنبلاط سارق أجراس الكنائس، قبل أن يُنسَّق معه. وكان سمير جعجع مجرماً، قبل التفاهم… ثمّ بعده. في فترة التفاهم تحوّل جعجع الى صديقٍ بريء. ونبيه بري تحوّل من صفة “البلطجي” الى “رجل الحوار”، وبينهما تحالف انتخابي يشكّل دليلاً على اللا مبدأ من الجانبين.
واختار باسيل السبت الإشارة الى أنّ بشير الجميّل أتى رئيساً على ظهر الدبابة الإسرائيليّة. باسيل نفسه شارك في مهرجان “البشيريّين” في ساحة ساسين يوم صدور حكم الإعدام على حبيب الشرتوني الذي يعتبره الحزب السوري القومي الاجتماعي، حليف باسيل، بطلاً!
علماً أنّ عون كان مؤيّداً ومقرّباً من بشير، وكان يملك اسماً حركيّاً هو “رعد”. هكذا، يتحوّل بشير أيضاً من صفة الى أخرى، وفق هوى الأيّام والمصالح.
لسنا نناقش هنا براءة رياض سلامة أو عدمها. ربما يستحقّ الرجل أقسى العقاب، ولسنا نحن من يحكم بل القضاء، حين يعود قضاءً وقد “بلّ” كثيرون أيديهم فيه. ولكن، لا يجوز أن تُختصر أزمتنا ومعاناتنا برجل، بل بمسيرة سنوات شارك فيها كثيرون، من هنا وهناك، ومن بينهم عون وباسيل، ومعهم من شارك في الحكم، من بري الى الحريري وجنبلاط، وخصوصاً حزب الله…
خلاصة ما سبق كلّه أنّ جبران باسيل لا يملك هويّةً سياسيّة. هو يملك مصلحةً تتبدّل، وتتغيّر معها المواقف. ليس وحده كذلك، للإنصاف. ولكنّ باسيل، كما عون، يدّعيان دوماً أنّهما “غير”، ولذلك يأتي انتقادهما أكثر قسوةً.
ولكنّ باسيل لا يُلام فعلاً. هو يدرك أنّه زعيم في بلدٍ من العالم الثالث يناصر الناس غالباً زعيمهم فيه نكايةً لا قناعةً، وهو لو قال لمعظم جمهوره إنّ السماء برتقاليّة سيصدّقون. صدّقوا ميشال عون قبله. والمؤسف أنّ بعض العقلاء في “التيّار”، وإن لم يصدّقوه، فقد كانوا في الصفوف الأماميّة يصفّقون له. ولن يناقشه أحدٌ في صوابيّة ما قاله…