كتب الدكتور مروان أبو لطيف “ماذا أقول لك يا موسى” !
يمر في حياتنا أناس كثيرون ، لكن قلة قليلة منهم يرسخون في الذاكرة والوجدان ، ويتركون بحضورهم في يومياتنا بصمةً لا تمحى . من هؤلاء عندي كان موسى ، ذلك الشاب القادم من ادلب السورية منذ خمس وعشرين سنة ليعمل ناطوراً في البناية التي أقيم فيها .
منذ البداية لفتتني فيه مزايا الصدق والامانة والنخوة والمروءة والتقوى والايمان ، وترسخت مع الايام قناعتي بذلك ، ولما اراد ان ينتقل الى عمل آخر ، اقترحت عليه ان يعمل في ورشة البناء في العزبة التي عزمت على تشييدها البطيء آنذاك ، فوافق . وبدأت رحلة موسى ، التي استمرت حتى هذا اليوم ، وكان خلالها صادق القول والعمل ، أميناً الى اقصى الحدود ، مخلصاً حتى انقطاع النفس ، قليل مثيله في النخوة والمروءة .
ورغم نزوح عائلته من ادلب الى لبنان منذ عشر سنوات ، ظل موسى مواكباً للورشة البطيئة ، مؤتمناً على كل شيء ، بارعاً في كل مهمة ، متقناً لعشرات الانواع من الاعمال التي يمكن ان تحتاجها ورشة البناء ، فترك بصمته في كل زاوية ومكان من العزبة .
منذ سنة قرر موسى الرحيل الى كندا مع العائلة ، التي لم تعد تستطيع تحمل حياة المخيم المذلة والبائسة ، وفقدت الامل بعودة قريبة الى الديار ، وها هو اليوم يغادر الى تلك الارض البعيدة ، الى غربة جديدة ، قد يكون صقيعها أخف وطأة من هذا الزمن الذي لم يعد فيه قيمة تذكر للانسان .
هي شهادة حق أقولها في شخص اجتمعت فيه كل تلك المزايا الاصيلة ، والنادرة في زماننا هذا ، فتحول من حارس للبناء الى ركن للمنزل ، وصار فرداً من العائلة .
قد يعود موسى يوماً ما من كندا ، وعندها سيجد في العزبة التي وضع في ارجائها قطعة من قلبه ونسمة من روحه ، مسكناً له وبيتاً يقيم فيه …
ولكنه قد لا يعود ، لأن القهر الذي يعصف باوطاننا لا يترك للمغادر حتى ولو فرصة الالتفات الى الوراء .
ماذا اقول لك يا موسى ؟
موسى وداعاً !