نقولا أبو فيصل يكتب”بين أنين الوطن وحنين الغربة ! عاد 13 نيسان”
لو كان الشعب اللبناني يعيش حياة طبيعية لما كنت كتبت خمسة اجزاء حتى الان من كتاب ” عن لبنان لماذا أكتب ” الذي يسلط الضوء على شعب يعاني من الالم منذ اكثر من ثلاثين عاماً ، شعب يعيش الممات في الحياة، يكتب قصة كفاحه بحبر المعاناة والالتزام في هذا الشرق الملعون ! وكما قيل “حيث لا يكون هناك إثارة لا يكون هناك قصة ! وحيث لا تكون هناك معاناة لا داعي لكتابة قصة! ” وقد يعتقد البعض أنّني ناقدٌ يسطر حروفه من معاناته الخاصة ويلونها بحبر “عينه” إلّا أنني لست اكثر من “روائي” ناقل لقصص شعبه البائس المغلوب على امره حيث خطفت الهجرة نصف شبابه المنتج !! قصتي مع هذا الوطن بدأت بغصة وما زالت تعيش في القلب ! ولعل ما دفعني اكثر للكتابة هو ترحالي الدائم في العالم ومعاينة عذابات اللبنانيين في وطنهم الأم وليس في أوطانهم الجديدة .
وفيما ازدهرت الهجرة اللبنانية خلال خمسينيات القرن الماضي بشكل كبير ، يؤكد المؤرخون أن المواطن اللبناني كان من اوائل المهاجرين في المشرق العربي ، واللافت، انه لم يرشح من أدب المهاجرين وكتبهم ، إلا المعاناة في انسلاخهم عن الوطن الأم وحنينهم إلى مسقط رؤوسهم، وهو حنين مشروع لبلد جميل مثل لبنان.
وهكذا فإن تجارب المهاجرين الجدد تختلف كثيراً عن الماضي ، حيث بات المغترب يخاف على أهله في لبنان خاصة بعد انقضاء الزمن الذي كان يخاف فيه الاهل على ابنائهم في الاغتراب ، وقد أقر العديد من المغتربين باستحالة العيش في الوطن بحالته هذه، حيث فساد الحكام صار مضرب مثل ، وصار لبنان بحسب رأيهم غير صالح للسكن “ولا اوافقهم الرأي طبعاً “لاختلافه الكلي عن أوطان الهجرة ، وقد وجد كثيرون أنفسهم مجبرين على الرحيل ثانية، وهذه المرة ربما لن يعودوا أبداً بعد أن ضربتهم خيبة الأمل وغادروا تاركين وراءهم جهد نصف عمرهم في منازل لن يعودوا إليها أبداً ، وسوف يدفعون للبقية الباقية من عمرهم بدلات صيانتها وتعيين حراس يعتنون بها.
ومنذ فترة وجيزة التقيت في مكتبي أحد المهاجرين اللبنانيين النافذين في بلاد الاغتراب وهو من اصل لبناني وسألته “لماذا لا تستطيع أن تعيش في لبنان وانت المعروف عنك “تركيب الطرابيش “كما يحلو للبعض توصيفك نظراً لتقاضيك الخوات ابان الحرب اللبنانية ؟ فرد قائلاً : في الاغتراب أنا فاسدٌ واحدٌ بين مليون صادقٍ، وهنا حاولت كثيراً ولكنني لم أجد مكاناً بين الفاسدين ويقصد الحكام طبعاً ! ثم رحل ولم يعد , تاركاً البيت والحديقة , وأماً تبكي وحيدة.
وهكذا نجد المهاجر اللبناني اليوم يعاني من أنين الوطن وحنين الغربة ! فبعد كل جولة احداث في لبنان ينتهي الأمر بهجرة حملة الشهادات من وطنهم والعمل في الاغتراب في مهن جديدة يحسنها المهاجرون، لأنها تدر الأموال السريعة؛ وخاصة كل ما هو مرتبط بالتجارة وقطاع الضيافة والبناء بشكل عام، باعتبار أنها قطاعات يسهل الدخول إليها، وهكذا تستطيع بكل سهولة أن ترى المهاجرين وأولادهم ممن يحملون شهادات عالية يعملون في قطاعات لا تمت لشهاداتهم بصلة ، وفي حالات كثيرة صار المهاجر يكتفي بالعودة الى الوطن للزيارة ، وكأن لبنان صار بلداً لقضاء العطل السنوية فقط.
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب؟” جزء 5