كتب نقولا أبو فيصل “بين الهجرة القسرية والعودة الطوعية..التجربة الكندية”!
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 5
على ما يبدو أن معظم اللبنانيين في كندا يوافقون العظيم جبران خليل جبران في قوله : “لا زلتُ خائفاً أن تغيرني الأيام ، أن اصبح شيئَاً لا يشبهني دون أن أشعر” وذلك نتيجة التبدل الكبير الحاصل في نمط الحياة في كندا ! وجاء هذا الاستنتاج عندي بعد نشر جريدة اللواء اللبنانية في عددها الصادر في 19/1/2024 مقالاً للاستاذ عبد الفتاح الخطاب المقيم في مونتريال بعنوان”الهجرة العكسية من كندا” وبعد ارسالي المقالة الى اصدقائي اللبنانيين الكنديين وردتني آراء تؤيد مضمونها ، لا بل ارتفع منسوب شكواهم حول استحالة اكمال المشوار في كندا، والتفكير جدياً بأخذ القرار بالعودة الى الوطن بعد فشلهم في التأقلم مع الوضع المستجد هناك ، ومن هنا يرى الاستاذ عبد الفتاح خطاب ازدياد موجة الهجرة المعاكسة من كندا ، وبدأ يتحول معها طموح المهاجرين اليها بتحقيق حلم كبير إلى صدمة وخيبة أمل مريرة، وصراع من أجل البقاء، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة وصعوبة تأمين السكن ونقص الرعاية الصحية.
وكان رئيس الوزراء الكندي ترودو قد جعل من تسهيل الهجرة إلى كندا سلاحاً رئيسياً لتخفيف التباطؤ في نمو السكان وارتفاع نسبة الشيخوخة ونقص اليد العاملة، وضعف النمو الاقتصادي. لكن السحر انقلب على الساحر ، ووفقاً لتقرير صادر عن معهد المواطنة الكندية ظهر أنه في الأشهر الستة الأولى من العام 2023 غادر كندا بصورة نهائية ما يقارب 42 ألف شخصٍ، إضافة إلى 93818 شخص غادروها في العام 2022، و85927 شخص عادوا الى ديارهم في العام 2021، وبذلك فإن معدل المهاجرين الذين غادروا كندا بلغ أعلى مستوى له منذ عقدين والكلام للاستاذ عبد الفتاح خطاب ! وبذلك يقارب عدد المغادرين سنوياً رُبع عدد الوافدين تقريباً، أي أن الحكومة تخسر ما يُقارب من مليار دولار كندي أنفقتها كي تأتي بأولئك الذين غادروا، وتخسر أيضاً فرصة إقناعهم بالبقاء.
وكانت كندا قد منحت الإقامة الدائمة لما يقارب 2.5 مليون شخص في ثماني سنوات فقط.لكنها تفشل في الحفاظ عليهم على ما يبدو لأسباب تتعلق بمشكلة النظام الصحي السيئ، حيث فترات الانتظار تمتد إلى أشهر عديدة أحياناً للحصول على الخدمة الطبية، لذلك يضطر العديد من الأشخاص الى مغادرة كندا للعلاج في الخارج لعدم قدرتهم على الانتظار ، ومن اسباب الهجرة العكسية عدم امكانية المهاجر العمل في مجال تخصصه بسبب الحاجة إلى معادلة شهادته وقبولها، مما يترك له المجال للعمل في المطاعم والمقاهي ومحطات البنزين والسوبرماركت والمستودعات ، والأعمال التي تحتاج إلى مجهود جسدي . وفيما يختلف الحد الأدنى للأجور بين المقاطعات الكندية، بين 15-16 دولار كندي في الساعة، يُقتطع منه نسبة عالية من الضرائب تصل الى خمسين بالمائة لاصحاب المداخيل المرتفعة ، اضافة الى الارتفاع في فواتير الكهرباء والماء والتدفئة والمواصلات والهاتف والتأمين وغيرها .
نقولا ابو فيصل