كتب نقولا أبو فيصل “بين ثقافة إكتساب المال والأب الفقير والإبن الغني”!
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 6
هي ثقافة الجهاد المالي التي يكتنفها الكثير من الغموض، وقد تعدَّدت الأبحاث حول مفهوم الذكاء وأنواعه، ويتم التداول بعدة مصطلحات للتعبير عن المهارات العقليَّة مثل الذكاء الاصطناعي،الإبداعي ، الروحي الاجتماعي والعاطفي،من هنا برَز مفهوم الذَّكاء المالي وشاعَ استعمالُه في دوائر إدارة المال والأعمال والمشاريع الحرَّة . والذكاء المالي هو مجموع الاستعدادات، والقُدرات والمهارات النفسية والعقلية اللازمة لتأسيس وإدارة وإنجاح وتطوير المشاريع الصناعية , التجارية والزراعية على نطاق واسع من خلال توفير خدمة أو سلْعة لتلبية حاجة الاسواق.والسؤال لماذا الذكاء المالي؟ طالما يزداد التفنُّن في إغراء المواطن اللبناني بسلع مستوردة يلهث وراء شرائها لمواكبة العصر ، علماً أنها تساهم في تناقص قدرته الشرائية وتزيد من فقره لأن الاموال تزداد في مكان اخر ، من هنا يغدو الكلام عن الذكاء المالي نوعاً من التمرد على الواقع البائس.
إنّ توسيع دائرة الفهم ومناقشة الأفكار الجديدة ومُحاولة فهم دورة ازدياد الغنيِّ غنىً على حساب زيادة الفقير فقراً تؤكد أنَّ العائلات اللبنانية التي كانت اول من عرف الاغتراب والاحتكاك مع العالم الخارجي في العمل هما أكبر مصادر تواصُل ، بل أشبه بإرثٍ مكتسب لتشكُّل وتنمية الذكاء المالي بين الأفراد والجماعات والأجيال وهذه العلاقات تنمي المواهب وتصقلها وتُنمَّى القدرات والمهارات كما يمكن للذكاء أن يكون مَوْروثاً في الدائرة الضيقة التي ينشَأ فيها الافراد ويكون دور الوالدين وبيئة البيت أو العمل محصوراً في تنمية موهبة موجودة سلَفًا في نفّس المتلقِّي ، ويبقى التحفيز والتوجيه هما غاية ما يُمكن أن يفعلَه محيطه.لكن مع توسع دَوْر المدرِّبين في مجال الذكاء، يُمكن النظَر إليه على أنه اكتساب ومهارة قابلة للتعلم ويظهر ذلك واضحاً في حياة الناجحين في هذا الميدان، الذين رفضوا واقعهم، وشقِّوا طريقهم نحو القمَم رغم أن ظروفهم كانت صعبة للغاية، وهنا ظهر دور البيئة واضحاً في تجلِّي هذا الذكاء.
في لبنان قلة تكافئ بين حملة الشهادات وبين مُتطلبات سُوق العمَل، والمأساة الحقيقية هي في كمية طلبات التوظيف يقابلها فُرَص عمل شحيحة وبطالة قاتلة ، رغم أن الوظيفة هي مِن أضيق أبواب الرزق، ومن النادر أن ترى موظفاً أمينًا اغتنى وتحسنت أحواله المالية مِن راتبِه، وفيما تعلمت انه من الجميل أن نعطي أحدًا سمكة تكفيه قوت يومه، فأن الأجمل هو أن نعلِّمَه صيد السمك لتأمين قوت عمره، لكن المتعة حقًّا في الاخذ بيده حتى يُتقن فنّ صناعة صنارة الصيد ليبيعها الى الصيادين، ويفتح له باباً للغنى والثراء المشروع، فينفع نفسه ويدخل في الدَّوْرة مِن جديد، فيأخذ بِيَد آخر ليغدو غنيًّا هو الآخر،ومما لا شك فيه ان هناك بعض المحاذير والحيطة الضرورية للولوج الى هذا العلم الذي تكلمت معه بحماس وتفاؤل لتأكيد الاتجاه في التعامل مع المال، والدعوة إلى الاغتناء، وفتح شهية الناس وهناك الكثير منَ المحاذير والضوابط اللازمة لترْشيد هذه الدعوة والنأْي بها عن مُضاعفات جانبيَّة، قد تُحوِّل الدواءَ الى داءً،
نقولا ابو فيصل