كتب نقولا أبو فيصل”بين ترابٍ لا يزال تراباًوتراب صار انساناً
من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء 6
جاء في سفر التكوين أن الله خلق الإنسان عَلَى صورته. عَلَى صُورَةِ اللهِ خَلَقَهُ. ذَكَراً وَأُنْثَى خَلَقَهُمْ. (تكوين ١:٢٧ ) وجاء في القرآن الكريم أن “الله خلق الإنسان، والانسان صار طينًا ثم صلصالاً من حمئٍ مسنون رائحته متغيّرة ، ثم سوّاه إنسانًا بقدرته ” (سورة الحجر 26) وإذا مات الإنسان فإنه يعود رجوعًا لمراحله الأولى فتتغيّر رائحته ثم يصبح طينًا ثم يعود تراباً. تمامًا كالقطار في محطاته راجعًا لمحطته الأولى. وفي هذا السياق يقول الشاعر ايليا ابو شديد ” الدني ورشة… وترابها كمشة في تراب بعدو تراب… وفِي تراب عّم يمشي” وهذا القول الشعبي يعكس فكرة أن الإنسان الذي يبذل جهودًا ويعمل بجدية يمكن أن يحقق النجاح والتقدم، بغض النظر عن ظروفه البدنية أو الاجتماعية الأولية. يشير إلى أن العزيمة والإرادة القوية يمكن أن تحول حياة الإنسان وتسمح له بالتحول من الفقر والضعف إلى الثراء والقوة.
وجاء في الكتاب المقدس : ” لانك تراب والى تراب تعود ” ( تكوين 19:3) وهذا معناه ان الله قد لخص لبني البشر رحلتهم الارضية في خمسة كلمات من يوم سقوطه بالخطيئة وبداية حياته حتى موته ونهايته على الارض. تبدو هذه الكلمات قاتمة خالية من اي امل، فهي تصور الانسان ضعيفاً وحياته باطلة، الا ان التأمل بها يحمل كل رجاء ومعنى للوجود واروع ما يمكن تعلمه في حياتنا على الارض. ولاننا تراب والى التراب نعود ، علينا أن نعيش بتواضع امام الله والناس. فجميعنا خلقنا من جبلة واحدة احتاجت ليد خالق قادر ليشكلها وينفخ فيها نسمة حياة. وكل ما لنا هو له وكل ما نعطيه اخذناه منه اولاً. لذلك علينا عدم التكبر والتجبر على الله وامامه ، وعدم التكبر على الاخرين والدّوس عليهم حتى نرتفع. والافتخار بالله وحده صاحب كل عطية صالحة وموهبة تامة، ووضع كل ما وهبه لنا لخدمة الاخرين، فمن اراد ان يكون عظيما ليكن خادما.
وإذا كان الانسان هو مجرد كمشة تراب والى التراب يعود، فواجب عليه أن يثمّن الوقت وأن يعيشه لهدف يستحق أن يحيا لاجله، فالوقت ثمين جداً وما ضاع منه لا يعود وحياة الانسان ما هي الا بخار يظهر قليلا ثم يضمحل ، ولا أدري لماذا يضيّع الشعوب وحكامهم الوقت بالنزاعات السياسية والعسكرية على ارض ليست لهم بل هم ضيوف فيها وحياتهم زائلة . واذا كانت ثروات الانسان من التراب فأنها لن تجد قيمة لها بأبعد من التراب، واذا كانت ثرواته في السماويات فأنه سوف يلقى قيمتها عند اللقاء مع والده السماوي. وما اختبرته في حياتي هو أن يأخذ الانسان دوره في الحياة بمشيئة الله العظيمة وأن يكون شريكاً معه في تتميم اعماله على الارض وتسليمه كل ما يشغل باله ويقلقه وندعه يتولى امرنا ، وإن كانت حياتنا بخاراً أليس أولى بنا ان نسعى لان نكون بخاراً يعطر ما حوله ويعبق بشذى المسيح؟ لذلك فلنتقِ الله ونحفظ وصاياه لاننا كمشة تراب والى التراب نعود .
نقولا أبو فيصل
