
كتب نقولا أبو فيصل “العتاب بين المحبة والاختناق”


يقال إن العتاب دليل محبة وإننا لا نعاتب إلا من يهمّنا أمره . وهذا في جوهره صحيح ، لكن حين يتحوّل العتاب من لحظة صدق إلى عادة مزمنة، من جسر تواصل إلى جدار ضغط يصبح ثقيلًا على القلب ومؤلمًا للروح. في لبنان، نبالغ أحيانًا في العتاب لدرجة يُخَيَّل فيها أن لا حديث يُفتح إلا وفيه حساب مؤجل وملف مفتوح . والشعب اللبناني حساس بطبعه، سريع التعلّق وسريع التأثر يمزج الحب بالخوف والاهتمام بالقلق، فينتج عن هذا المزيج عتاب متكرر. والعتاب جزءٌ من المحبة ، من نعاتبهم هم من نريد الاحتفاظ بهم . لذا حاول صديقي “العاتب” أن تجد ولو شيئًا واحدًا يجعل لسانك دافئاً ، نعم نحن نحب سماع صوتك لكن يبقى صمتك هو الأحب الى قلوبنا.
رددوا معي بعض كلمات عتابه ليش ما اتصلت؟”“ليش ما قلتلي؟”، “أنا دايمًا ببادر وأنت لا”… هذه العبارات تتكرر في جلسات الأصدقاء، داخل العائلة، وحتى في العلاقات المهنية. وفي يومياتنا المثقلة بالأزمات حيث تبحث النفوس عن موطئ عاطفة صادقة، لكنها تسقط أحيانًا في فخ المبالغة الزائدة . والعتاب المتكرر لا يُفهم دائمًا كما يُقصد . وما يُقال في نية للتودد قد يُفهم على أنه لوم أو محاكمة. وحين يُعاد ويُكرر، يفقد قيمته الأولى، ويصير أداة ضغط عاطفي تؤدي إلى الانسحاب بدل التقارب. كثيرون في لبنان وانا منهم يهربون من العديد من اللقاءات ولا يلبّون غالبية الدعوات خوفًا من لائحة العتب الطويلة وكأن كل تواصل يجب أن يمر عبر بوابة التبرير.
العتاب الصحي هو ذاك الذي يُقال مرة، بصدق، دون تجريح ويُنسى بعده الموضوع. هو محاولة لتصفية القلوب، لا لكسرها. هو دعوة للبقاء، لا شرطًا للاستمرار. كم نحن بحاجة إلى تبسيط مشاعرنا لا تعقيدها. فليكن العتاب قليلًا، ناعمًا، شفافًا… كنسمة، لا كعاصفة. نعم في لبنان، نحتاج أن نتعلم كيف نحب دون أن نُثقل، كيف نهتم من دون أن نُحاكم، كيف نعاتب من دون أن نُنهك. فالمحبة لا تحتاج دائمًا إلى براهين صوتية، ولا إلى مراجعات يومية… أحيانًا، يكفي أن نُصغي، أن نغفر بصمت، أن نُكمل الطريق بمحبة ، أعصابنا لم تعد تحتمل، فنحن نعيش حربًا عالمية ثالثة بأسلحة وأساليب جديدة. وقد نشهد “هيروشيما” جديدة، وقد لا نشهد، لكن المؤكد أن أكثر من عشرة ملايين إنسان باتوا ينامون في العراء، بعيدًا عن بيوتهم، في عواصم الدول المتنازعة…”وبعدنا عم نعاتب وناطرين بعضنا على كلمة “
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
Nicolas Abou Fayssal
اتحاد الكتاب اللبنانيين