
بقلم : نقولا أبو فيصل “الصناعي اللبناني ليس كما تظنون”


يبدو الصناعي اللبناني في مخيلة الناس ذاك الرجل الذي يجلس في مكتبه الفاخر يجمع الأموال ويعيش حياة لا تعرف القلق . صورة مريحة وسهلة لكنها بعيدة كل البعد عن الواقع . هذا الظن شائعٌ لكنه في جوهره جائر . والحقيقة أن الصناعيين خصوصًا أولئك الذين بدأوا من الصفر، قد عاشوا أيامًا محفوفة بالمخاطر وخاضوا معارك صامتة من أجل البقاء، لا من أجل أنفسهم فحسب، بل من أجل كل موظف وعامل في مصانعهم . فكم مؤلم أن يُختزل جهد السنين وتعب الأيام في نظرة سطحية لا ترى سوى الظاهر ! وهذا ما دفعني اليوم للكتابة، لا لأبرّر، بل لأشهد . فأنا رجل اختار أن يبني ويستثمر في الناس ، في أرضه وفي وطنه وأعرف جيدًا معنى أن تكون في موقع المسؤولية حين لا مكان للراحة ولا وقت للندم.
خلف كل راتب كان يُدفع ، كان هناك عامل يشعر بالأمان، كان هناك صناعي يسهر، يقلق، يتنازل عن راحته، أحيانًا عن أبسط احتياجاته ليضمن استمرار العمل . شخصياً مررت بأيام صعبة جداً خلال زمن الانهيار المالي والاقتصادي في لبنان، كنت أدفع من جيبي الخاص لكي لا يشعر العمال بعدم الاستقرار . كنت أغلق باب المكتب خلفي ولا أعلم كيف سأتدبّر أمور الشهر المقبل، لكنني كنت أُخفي ذلك بابتسامة وقورة لأن القائد لا ينهار، بل يصمد ويحتوي. فعندما تبني مصنعاً يوفّر لقمة العيش لمئات العائلات فأنت لا تملك رفاهية التردد. وتصبح الحياة كلها مسؤولية ، وكل تأخير في الإنتاج، كل أزمة اقتصادية وكل تدهور في الاسواق كان ينعكس سلباً على الجميع . وهنا يصبح المال مجرد وسيلة. فالقيمة الحقيقية تكمن في حماية هؤلاء الاشخاص الذين جعلك الله خادماً لهم وليس العكس .
على مدى 35 عاماً ومنذ تأسيس غاردينيا في العام 1989 تعلّمت أن الرزق لا يُقاس بما في الجيب، بل بما في القلب. في وفاء الناس، في احترام المستهلك الذي يأتمنك على غذائه ان يكون سليماً “وهنا قوة منتوجات غاردينيا” ، نعم الرزق يُقاس في الأثر الذي تتركه في من حولك ، وفي رفع اسم لبنان في العالم بفضل الجودة . من هذا المنطلق لم أعتبر يومًا أن الربح هو الغاية الوحيدة. غايتي كانت وما تزال الايمان بالشراكة الإنسانية مع الموظّفين ومع جميع من حولي . صاحب المصنع كما يسمونه ليس ذلك الشخص الذي “يستفيد من الناس”، بل الذي يعيش ليحمي الناس. وكم من أصحاب مصانع ضحّوا بأملاكهم من أجل أن يبقى اسمهم نظيفًا، وموظفوهم في أمان. هؤلاء هم الجنود المجهولون في معركة الاقتصاد، وهم ركيزة الاستقرار في كل مجتمع. وفي النهاية تبقى السمعة الطيبة، ويبقى الاسم . وهما إن عرف المرء كيف يصونهما فأنهما أعظم من كنوز الأرض.
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
Nicolas Abou FayssalZahle tv
تجمع الصناعيين في البقاع Association of Bekaa IndustrialistsGardenia Lebanese Farms ArmeniaNicolas Abou Fayssal