كتب نقولا أبو فيصل “الابنة في حياة الوالد… ولادة جديدة”

فكر فيها !
الابنة في حياة الوالد… ولادة جديدة
يُقال إنّ الوالد حين يرزق ابنة ويحبها بصدق، يولد من جديد ويعود طفلاً . فالإبنة ليست مجرّد حضور طفولي يزيّن أيامه، بل هي المرآة التي يرى من خلالها أجمل ما فيه، وهي النبض الذي يمدّه بطاقة لمواجهة الحياة. وجودها يفتح أمامه أفقًا رحبًا يحوّل حياته إلى نعيم .إنّها إشراقة وجوده التي تمنحه الامان والطمأنينة . معها يكتشف أنّ الرجولة لا تكتمل بالقوة وحدها، بل بالحنان الذي توقظه ابتسامتها، وبالأمان الذي يسكبه قربها . حين يحب الرجل ابنته يولد ثانية؛ يكتشف نفسه في ظلّها ويشعر أنّ العالم أوسع وأنّ الأيام أخف وطأة.
لكنها حين تسافر يغدو الاب كمن فقد لغة كان يتحدّث بها مع نفسه ومع العالم. يعيش حاضرًا ناقصًا، وكأنّ الألوان قد بهتت من حوله. قد يتقن دوره الاجتماعي ويتابع حياته كما لو أنّ شيئًا لم يحدث، لكن داخله يجرّ ندوبًا صامتة. فغياب الابنة أو ابتعادها لا يعني فقط خسارة بل انطفاء مرآة الروح، وانكماش الأمل الذي كان يحرّك خطواته. قد ينجح في إخفاء وجعه، لكن الحنين يظلّ يثقل قلبه. فالابنة حين تغيب تأخذ معها احلام والدها وتتركه بلا أفق واضح، وكأنّ الأمل قد تسرّب من بين يديه من حيث لا يدري. يغدو صمته عزلة داخلية، ووجهه الثابت يخفي فراغًا ينهش صدره.
ومهما كان قاسيًا غياب الحنان، يبقى في قلب الأب وميض لا ينطفئ، ينتظر لحظة ينهض فيها من جديد. فحب الابنة ليس عاطفة عابرة، بل هو شريان الحياة الذي يمدّ الاب بمعنى وجوده. غيابها يترك فراغًا مؤلمًا، لكن ذكراها تبقى كجذور صامتة تمنح الروح قوة على الاستمرار. وفي النهاية، يتعلّم الأب أنّ اولاده ليسوا تفصيلًا في حياته، بل هم نبض الأيام، والولادة التي تُعيده إلى ذاته كل مرة، وكأن الحياة حين تتجلّى في أجمل صورها. وأخيرًا وفي تجربتي الشخصية ، أرى أنّه حين يبتسم وجه ابنتي إلسا، أو حين تلمع عينا ابنتي ماري جو، أشعر كوالد أنّ الكون كله صار أقرب إلي ، وكأنّ الله منحني في ابتسامتهما سببًا جديدًا للحياة.
نقولا ابو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com












