عن الحلم الذي لا يموت ..كتب نقولا أبو فيصل

فكر فيها !
الحلم الذي لا يموت ….
لبنان ليس مجرد وطن، بل كائن حيّ يتنفس الحنين ويتأوه كلما طعنته الغدرات. وجعه صدى لأنين أرزاته حين تعصف بها الرياح، وقلبه صفحة ممزقة من كتاب الزمن، كُتب فيها المجد بمداد الدمع والدم. كأرزةٍ سامقة، يتحدى العواصف بجبين مرفوع، يمد جذوره في الأعماق ويناجي السماء، لا ينحني إلا لله. في كل مدينة لبنانية صفحة من سفر الخلود، وفي كل بيت ذاكرة لا تموت، وكل حجر شاهد على تاريخ من الصمود. لبنان هو ذاك الحبيب الذي وإن جفاه أبناؤه يسكنهم بلا استئذان، ينسلّ في أنفاسهم، ويتردد في أغنيات الأمهات لأطفالهن، اسمه وحده يكفي ليملأ عيون المهاجرين بدموع حارقة كأنهم يخشون أن يفقدوا الفردوس.
يُقال إن الأوطان التي تنكسر تُنسى، لكن لبنان يولد من رماده. في دمه عناد البحر وفي قلبه عنفوان الشمس. لا يُطفئ بريقه سواد الأيام، ولا تنال منه الأيدي التي تحاول تمزيق ثوبه الأبيض المطرّز بالثلج. قد يحاصره الفقر، لكن عزته لا تُقاس بما في الجيوب، بل بما يسكن القلوب. قد تهدمه الحروب، لكن روحه تظل جمرة تحت الرماد، لا تنطفئ بل تتقد حياةً كلما ظنوا أنها خبت. لبنان لا يُهزم، لأنه فكرة، والفكرة لا تموت. هو حلم الأنبياء ورجاء الشعراء، وسؤال العالم الأبدي: كيف لبلدٍ صغير أن يحمل حضارة الكون بين ضلوعه؟
ظنّ البعض في سنوات مضت أن الوطن يحتضر، لكن الحقيقة أن لبنان لا يعرف الموت. دموع أبنائه غسلت خيانة من خانو، وصراخه كان رجع الأمل في صدور من أحبوه بصدق. وما بعد انتخاب الرئيس جوزاف عون ليس كما قبله، فبحكمته وصلابته ونظافة كفه سيُنهض لبنان من بين أنقاضه كما ينهض العنقاء من رماده. سيفتح أبوابه للشمس من جديد، وسيبني مجده بيد أبنائه، وتُزهر أرزته مرة أخرى. سيعود المهاجرون إلى أحضانه كما يعود الطير إلى أعشاشه عند المغيب، لأن لبنان مهما أثقلته الأوجاع، يبقى وعدًا لا ينكسر، وأملًا لا يخبو، وأغنية لا تموت.
نقولا أبو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
www.nicolasaboufayssal.com












