وسامٌ سقط عن نعش طليع حمدان
كتب الإعلامي نادر حجاز في موقع MTV

في العام 2018 ظُلم الشاعر طليع حمدان في إصدار الجامعة اللبنانية “روائع الزجل”، اجتُزئت قصائده ولم يُعط المساحة التي يستحق. انتفض “أمير المنبرَين” يومها، وقرّر أن يحضر حفل التوقيع رغم “الزعل”، معتلياً المنبر وفي جعبته قوافٍ من العيار الثقيل، مطالباً بإعادة الطباعة، ومهاجماً الكتاب بهذه الأبيات:
“من ورد شعري لو بقي بستان
بيصير عنّو العطر متغاضي
مش كل مليان انتلى، وأحيان
فاضي بيبقى مطرحو مليان
ومليان بيبقى مطرحو فاضي”.
حزن طليع لحزن المبدعين حين تتجاهلهم أوطانهم، وكتب في “ليل وقمر” للسيدة فيروز يقول:
“هالقد يا فيروز ما بيجوز
عنّا تصيري بعتمة النسيان
اللي مثلك التكريم ما بيعوز
بالمثلك بيتكرّمو الأوطان”.
وهكذا هو طليع، لا يحتاج تكريماً، فبأمثاله يتكرّم لبنان بعدما حمل مع قامات الزجل هذا اللون التراثي الذي يشكّل جزءاً من الذاكرة والأصالة اللبنانية، وكان من ألمع من حمل الأمانة صوتاً شجياً وأداءً وإبداعاً في الكتابة والصور الشعرية.
لطليع حمدان حقّ على دولته لم يأخذه في وداعه. ولا يمكن تجاهل الإهمال الرسمي لرحيل شاعر كبير بقامته، على مستوى الحضور في مأتمه كما التكريم بالوسام المستحق لأمثاله من المبدعين، أو حتى على مستوى البيانات الخجولة التي اقتصرت على وزارة الثقافة فقط. خلافاً لما يحصل عند رحيل الكبار في عطائهم ومواهبهم من نعي رسمي وتقليد للأوسمة.
ربح طليع طبعاً محبة الناس بعدما التصق بهم طوال مسيرته، وغنّى بلسانهم وعفويتهم، فبادلوه الوفاء واستعادوا نشر أعماله وصوره التي غصّت بها صفحات مواقع التواصل. ولكن أي قصيدة كان سيكتب لو سار خلف نعشه عارياً من وفاء دولته؟
معيب هذا التقصير مع قامة من وزن طليع حمدان، ولا تبريرات منطقية لهذه اللامبالاة، وإذا أعادها البعض لضيق وقت التنظيم للمأتم، فهذا لا يفسّر الصمت الرسمي منذ مساء السبت عن إصدار نعي يكرّم مسيرة شاعر كتب يوماً “ما بكيت من إنسان بالتكوين لكن جرح لبنان بكّاني”.
حزن طليع لجرح هذا الوطن الذي رافقه في كل مباراة شعرية في لبنان والاغتراب، وصحيح انه اختبر الحرب ومتاريسها وبشاعتها، لكنه عبر إلى المساحة الأرحب بالحب والجمال ولون الزجل اللبناني الأصيل. وكان سيحزن أكثر لو عرف أن دولته وزّعت الأوسمة يميناً ويساراً وحرمته منها.
ماذا نقول لطليع الذي غنّى أصالتنا وجمالنا؟ سيبقى كتمثاله عند مدخل عين عنوب صلباً كما في جولات التحدّي و”المرجلة”، ساخراً من دولة لم تسمع بعد أن طليع حمدان “في سكرتها” قد كتب آخر قوافيه ورحل.
كان يستحقّ طليع مشهدية مختلفة، تليق بستين عاماً أمضاها فوق المنابر شيخاً لها، مصوّراً نفسه في مباراة عين سعادة تماماً كإبن الجبل اللبناني الأصيل، وهكذا سيبقى، قائلاً:
“أنا فوق المنابر شيخ صفّي
لبست الليل جبّة عم تدفّي
ولبست البحر قمباز أزرق
وعلى جبيني لبست صنين لفّة”.












