عون ينقلب على التوافق ويضع لبنان أمام منعطف جديد
تقف أزمة تشكيل الحكومة الجديدة في لبنان أمام مرحلة تصعيدٍ متدحْرجٍ «قَفَزَ» فوق التعقيدات المتّصلة بالأحجام الى التموْضعات والخيارات الإقليمية للبلاد التي يُخشى أن يكون التصدُّع السياسي الذي أصابها من بوابة هذا الملف يتّجه نحو المواجهةِ بعناوين الانقسام الذي كان حَكَمها لأعوام و«خطوط التماس» نفسها التي «موّهتْها» التسوية الرئاسية (اكتوبر 2016).
فلم تكد بيروت أن «تبتلع» التطور «القاصم» لسياسة النأي بالنفس التي «يحتمي» بها لبنان لتفادي «العين الحمراء» الخليجية والأميركية على إيران و«حزب الله» والذي تَمثّل باستقبال الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله وفداً من الحوثيين وما شكّله هذا التطور من رسالة «بالفم الملآن» حول مدى انخراطه بالأزمة اليمنية وبمواجهة السعودية خصوصاً، حتى جاء الكشف عن إجراء رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أخيراً اتصالاً هاتفياً بالرئيس السوري بشار الأسد ليؤشر على مرحلة جديدة بالكامل دَخَلها الواقع اللبناني وفق «قواعد سلوك» مغايرة من «حزب الله» والفريق الرئاسي تشي باندفاعةٍ بأبعاد «استراتيجية» تجاوزتْ تسوية 2016 ومرتكزاتها السياسية (النأي بالنفس عن أزمات المنطقة وحروبها وتحييد الملفات الخلافية وفي مقدمّها الموقف من الأزمة السورية) التي تَبرز مخاوف مبرَّرة من أنها صارتْ «من الماضي».
وإذ رُبط اتصال عون بالأسد، وهو الأول الذي يجري الإعلان عنه من انتخاب الرئيس اللبناني والذي كشفته صحيفة «الأخبار» (القريبة من «حزب الله»)، بالبحث في موضوع النازحين السوريين وسُبُل تسريع عودتهم إلى ديارهم، فإن هذا التطور وما عبّر عنه من فتْح الطريق علناً أمام تنسيق سياسي على أرفع مستوى من باب ملف النزوح، تَرافَقَ مع إماطة اللثام أيضاً عن اتصالٍ أجراه قائد الجيش العماد جوزف عون برئيس الأركان في الجيش السوري وزير الدفاع العماد علي عبد الله أيوب، مهنئاً بمناسبة عيد الجيش في الأول من أغسطس، والذي يصادف أيضاً عيد الجيشين في البلدين وانه تخلّله تشاور في التنسيق الأمني المشترك بين البلدين من خلال عمل مكتب التنسيق الذي يعمل بشكل متواصل في مجالات حفْظ الأمن على حدود البلدين.
وتعاطتْ أوساط مطلعة في بيروت مع خطوتيْ نصر الله ثم عون على أنهما تتكاملان في تأكيد أن هذا الفريق وضع البلاد أمام «منعطف» استراتيجي جديد، انطلق مسارُه بطريقةٍ ممنْهجة ولن تكون نتيجته إلا مزيداً من تعقيد الأزمة الحكومية وإعطائها أبعاداً أكثر اتساعاً، وسط عدم استبعاد أن يكون من أهداف «المواجهة المكتومة» التي أُعلنت على مستوى الداخل كما بإزاء الخارج، اتكاءً على «إفلات» النظام السوري من أزمته، إحراج الرئيس المكلف تشكيل الحكومة سعد الحريري لإخراجه عبر محاولة تظهير أنه واجهة لعملية سياسية يديرها الآخرون و«يقررون» فيها من دون أن تكون له القدرة على «تغيير حرف فيها».