الرئيس عون: حذار الخلط بين الاختلاف والعداوة
أكد رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ايمانه “بأن التغييرات الجذرية في المجتمعات لا تحصل إلا بهمة الشباب، وخصوصا الطلاب منهم”، معتبرا “ان الضرورة ملحة لإعداد الأجيال الطالعة، وإغناء ثقافتها السياسية، وقدرتها على الحوار والمناقشة والمقارعة بالحجة والمنطق، وتطوير الحس النقدي لديها”، ومشددا على ان حرية التعبير “إذا جافت الحقيقة لا تعود حرية بل تصبح افتراء واعتداء معنويا، فالشتيمة وبذاءة الكلام لا يندرجان في إطار حرية التعبير، وكذلك تشويه السمعة”.
وإذ توجه إلى الشباب بالقول: “أنتم قوة التغيير الحقيقية، فلا تتنازلوا عن هذا الدور”، فإنه عاهدهم “بالعمل لتوحيد جهود المسؤولين السياسيين لمواجهة الفساد الذي يعطب كل مفاصل الوطن، والتوافق على خطة وطنية للنهوض الاقتصادي لتأمين فرص عمل إضافية”، محذرا اياهم من “ان الإدمان على الانترنت وعلى الشاشة وعلى العالم الافتراضي، أوجد عزوفا عن العالم الحقيقي والتعاطي الجدي بالشأن العام، فتدنى مستوى الوعي السياسي والثقافة السياسية، ليختزل أحيانا بسجالات متعصبة وفارغة إلا من التطرف والتحريض وبذاءة الكلام”.
ولفت إلى “ان التنافس السياسي صحي، وكذلك الاختلاف في الرأي، وهما ضرورة للحياة الديمقراطية”، معربا عن أمله مع ولادة قريبة للحكومة العتيدة في “بدء مرحلة جديدة من العمل والانتاج الوطني الجاد، للتخلص من أثقال الماضي السياسية والاقتصادية، واللحاق بركب الحداثة”، ومحذرامن الخلط ما بين الاختلاف والعداوة، “فخصمك السياسي ليس عدوك، هو شريكك في الوطن، وكلاكما تعملان من أجل مصلحة هذا الوطن وإن اختلفت مقاربتكما وسبل العمل.” وقال: “انت حر بقدر ما أنت قادر على الاختيار، قادر على قول النعم واللا”.
وشدد على “ان الاستثمار في التربية والتعليم هو من أغنى الاستثمارات، لأنه يؤمن للوطن ثروة من الأدمغة الشابة بكل ما تحمل من أحلام وإقدام وتمرد، هي مستقبل لبنان وغده الواعد”، داعيا الجامعات اللبنانية إلى “مواكبة خطوات النهوض الاقتصادي، عبر تكييف اختصاصاتها مع حاجات سوق العمل”.
كلام رئيس الجمهورية جاء في الكلمة التي ألقاها مساء اليوم، في الاحتفال الذي أقامته جامعة سيدة اللويزة، على مسرح بشارة الراعي في حرم الجامعة الرئيسي في زوق مصبح لمناسبة ذكرى تأسيسها، وكرمت الجامعة الرئيس عون خلال الاحتفال عبر منحه شهادة الدكتوراه الفخرية في الانسانيات “تقديرا لمسيرته وعطاءاته الوطنية”. كما اغتنمت المناسبة لاطلاق مبادرة وطنية مجتمعية حول مخاطر الادمان على الانترنت والتكنولوجيا.
نص الكلمة
وألقى رئيس الجمهورية في المناسبة، الكلمة التالية:
“أيها الحضور الكريم،
ان تنشأ مؤسسة في مرحلة كانت تشهد فيها البلاد اضطرابا واسعا في مختلف المجالات الأمنية والسياسية والاقتصادية، فهذا يعني أن القيمين عليها مؤمنون بهذا البلد ومؤمنون بقيامته. وأن تكون هذه المؤسسة صرحا جامعيا، فهذا يعني إيمانا أكبر، ليس فقط بقيامة الوطن، بل بدور الشباب فيه، وبأهمية التأسيس على الأجيال القادمة.
وما انطلاقة جامعة سيدة اللويزة في العام 1987، عام الانتظارات القلقة، إلا نوع من هذا الإيمان، وقد أثمر أفواجا من المتخرجين، أغنوا الوطن في مختلف الميادين؛ نهنئ بهم جامعتهم، ونتمنى لها المزيد من التقدم والعطاء.
إن الاستثمار في التربية والتعليم هو من أغنى الاستثمارات، لأنه يؤمن للوطن ثروة ثابتة تتزايد سنويا، لا تهزها أزمات ولا تنال منها غدرات الزمان؛ ثروة من الأدمغة الشابة بكل ما تحمل من أحلام وإقدام وتمرد، هي مستقبل لبنان وغده الواعد.
أيها الحضور الكريم،
نقارب في احتفال اليوم أهمية “التوعية على مخاطر الإدمان على الانترنت والتكنولوجيا”، خصوصا بعدما بات هذا الإدمان متفشيا داخل الكثير من عائلاتنا، وبدأت تبعاته تبدو واضحة في مجتمعنا. فالإدمان بحد ذاته خطورة، أيا يكن المدمن عليه: التدخين، المخدرات، طاولة الميسر، الانترنت…، لأنه يشل الإرادة ويستعبد الإنسان؛ فأنت حر بقدر ما أنت قادر على الاختيار، قادر على قول النعم واللا. ولكن، عندما لا يعود بإمكانك الاستغناء، فأنك تفقد، في مكان ما، حريتك.
صحيح أن الانترنت قد أحدث ثورة كبيرة في عالم المعرفة والتكنولوجيا، وفتح الآفاق على عوالم جديدة، وسهل الوصول إلى المعلومة، ولكن استلاب بعض تطبيقاته ومواقعه لمساحة كبيرة من وقتنا، واهتمامنا، وتفاعلنا، وقطعها أحيانا الكثير من الروابط مع الواقع، يشكلان خطورة ملحة في مجتمعاتنا. ولا شك أن تقديم مقترحات الحلول لها سيكون هدفا أساسيا لهذه الحملة.
لقد فتحت وسائل التواصل الاجتماعي خطوط لقاء بين البشر لم تكن ممكنة في السابق، لكن الخطر الذي نستشعره هو في أن يحل التواصل الافتراضي محل التواصل الحقيقي بين الناس، فتفقد العلاقات الانسانية معناها وعمقها.
أما الخطورة الأكبر، فهي انفلاتها من الضوابط وضياع الحدود وجهل مفهوم الحرية، وللأسف، ظهور انحدار أخلاقي غريب عن مجتمعنا وتربيتنا.
أيها الحضور الكريم،
إن الإدمان على الانترنت وعلى الشاشة وعلى العالم الافتراضي، أوجد عزوفا لدى الشباب عن العالم الحقيقي وعن التعاطي الجدي بالشأن العام، فتدنى مستوى الوعي السياسي والثقافة السياسية لدى قسم كبير منهم، ليختزل أحيانا بسجالات متعصبة وفارغة إلا من التطرف والتحريض وبذاءة الكلام.
وهذا ما دفعني لأوجه في كانون الثاني من العام 2014 رسالة، بل نداء، إلى جميع رؤساء الجامعات العاملة في لبنان، والتي هي المختبر الأول للتعرف على الرأي الآخر، وللنقاش والحوار وتبادل الأفكار بين الطلاب، لفتح قاعات المحاضرات أمام المحاضرين السياسيين على اختلاف انتماءاتهم، ليتعود طلابنا على الإصغاء والمناقشة الهادئة والراقية، بدل أن تكون نقاشاتهم في الشارع بالعصي والحجارة والشعارات النابية، أو بالشتم والتحريض على وسائل التواصل الاجتماعي. وذلك لأنني مؤمن بأن التغييرات الجذرية في المجتمعات لا تحصل إلا بهمة الشباب، وخصوصا الطلاب منهم. من هنا، الضرورة ملحة لإعداد الأجيال الطالعة، وإغناء ثقافتها السياسية، وقدرتها على الحوار والمناقشة والمقارعة بالحجة والمنطق، وتطوير الحس النقدي لديها.
يا شباب لبنان،
إن حرية التعبير حق مقدس، ولكن هناك أيضا مقدسات أخرى لا يجب أن تغيب عنكم، وأولها الحقيقة التي هي سقف الحرية، فحرية التعبير إذا جافت الحقيقة لا تعود حرية بل تصبح افتراء واعتداء معنويا… هناك أيضا كرامة الإنسان وسمعته، هي أيضا من المقدسات، ولا يحق لأحد الاعتداء عليها، فالشتيمة وبذاءة الكلام لا يندرجان في إطار حرية التعبير، وكذلك تشويه السمعة.
إن التنافس السياسي صحي، وكذلك الاختلاف في الرأي، وهما ضرورة للحياة الديمقراطية. ولكن، احذروا الخلط ما بين الاختلاف والعداوة، فخصمك السياسي ليس عدوك، هو شريكك في الوطن، وكلاكما تعملان من أجل مصلحة هذا الوطن وإن اختلفت مقاربتكما وسبل العمل.
أدرك غيرتكم الوطنية، المجبولة بالقلق على المستقبل لأن الأوضاع تبدو غائمة وبعض طرق التغيير مقفلة بالنسبة إليكم، لكنني أود تذكيركم بأنكم أنتم قوة التغيير الحقيقية، فلا تتنازلوا عن هذا الدور. كما أنني من موقع مسؤوليتي، أعدكم بالعمل بأقصى امكاناتي، لتوحيد جهود المسؤولين السياسيين لمواجهة الفساد الذي يعطب كل مفاصل الوطن، والتوافق على خطة وطنية للنهوض الاقتصادي لتأمين فرص عمل إضافية لكم. ومع انطلاقة عمل الحكومة العتيدة التي نأمل في ولادتها القريبة، سنبدأ مرحلة جديدة من العمل والانتاج الوطني الجاد، للتخلص من أثقال الماضي السياسية والاقتصادية، واللحاق بركب الحداثة.
من هنا، أعول بشكل كبير ايضا على مواكبة الجامعات اللبنانية لخطوات النهوض الاقتصادي، عبر تكييف اختصاصاتها مع حاجات سوق العمل، لعدم تخريج عاطلين عن العمل في بلادهم، ما يدفعهم إلى سلوك درب الهجرة.
ختاما، كل الشكر لجامعة سيدة اللويزة على تكريمكم لي، وكل التقدير لمبادرتكم بإطلاق حملة التوعية على مخاطر هذا الإدمان الجديد، ونأمل أن تثمر هذه الحملة فيتنبه مجتمعنا الى الضرر الداهم الذي يحيق به، ويتحمل الجميع مسؤولياتهم في الحد منه.
عشتم وعاش لبنان”.