“أنا ميشال عون”
لا يهمّني الدفاع عن العهد ولا مهاجمته. لست آبه للمقامات، من صاحب الفخامة الى أصحاب الدولة والمعالي والسعادة، ومعهم السيادة والمشيخة والغبطة. أيّ غبطة بينما وطننا ينهار أمام عيوننا؟ أيّ سعادة بينما الاقتصاد اللبناني اليوم في أسوأ حال منذ انتهاء الحرب اللبنانيّة. لا تقابل لبنانيّاً إلا ويشكو أمامك. لا يمرّ يومٌ من دون أن تقفل مؤسّسة أبوابها أو تصرف موظّفيها. دعاوى الشيكات المرتجعة تتكدّس. القطاعات كلّها تئنّ.
نشعر اليوم وكأنّ بلدنا ينهار. تمثيل مجموعة نوّاب قد يؤخّر تشكيل الحكومة لأشهر. جشعٌ عند الجميع. يرحل الشبعان ويأتي الجوعان، والجوع بلغ أوجه. الإصلاح غائب والفساد لا يوفّر قطاعاً. نسمع يوميّاً بصفقات ومحسوبيّات ورشاوى، من الكبير الى الصغير. تشريعات تصدر خدمةً لأشخاص. أصحاب المولّدات يتحدّون الدولة ويحرمون اللبنانيّين من الكهرباء. وقاحة أين منها وقاحة مَن يحرمنا من الكهرباء منذ عقود ويسيء إدارة القطاع ويتركنا تحت رحمة المولّدات وأصحابها، ومن وراءَهم. الوقاحة، أيضاً، عند من يتحدّث عن إنجازات. هل أنجزتم زيادة عدد اللبنانيّين الذين يعيشون تحت خطّ الفقر؟ أم عدد اللبنانيّين العاطلين عن العمل؟ أم عدد المقطوعين عن أمل، وهؤلاء باتوا أكثريّة الشعب اللبناني، في الوطن والمهجر؟ وطننا ينهار أمامنا، وأنتم في قصوركم ومقرّاتكم تبحثون عن وزيرٍ بالزائد هنا، وعن انتصارٍ وهميٍّ هناك. وبعضكم يمنّن أيضاً. لولاي لكان البلد أسوأ ممّا هو عليه. هل من أسوأ بعد؟ لا يعني ذلك، أبداً، أنّنا نحمّل الرئيس ميشال عون وزر ما يجري، وحده. لكنّ الرئيس، الذي يبقى استثنائيّاً في تمثيله الشعبي وتاريخه، هو من أُعطي وزنات أكثر من غيره، ولذا فهو يُسأل، أكثر من غيره، عن مصير هذه الوزنات، وعن مصير الوطن. هل حزب الله يعرقل “العهد” اليوم؟ فليقلها الرئيس أو من حوله، بالمباشر، كما فعلوا حين اتّهموا “القوات اللبنانيّة”، مثلاً، بالعرقلة. فليقل الرئيس “لم أنجز لهذا السبب أو ذاك”، فعندما تحلّ الذكرى الثالثة لانتخابه لن نكتفي بسماع عبارات العرقلة والتآمر وتلك الحجج التي سمعناها في الذكرى الثانية. ميشال عون رئيسٌ اسثنائيّ، ولا يجب أن ينسى أحدٌ ذلك، خصوصاً هو نفسه. والاستثنائيّة، كما القوّة، لا تعني توقيع مرسوم تجنيس مشبوه، ولا تعني السكوت عن الفساد المستشري بشكلٍ غير مسبوق، وبرعاية رسميّة غالباً، ولا تعني الإبقاء على القضاء كالمال السائب الذي يعلّم السياسيّين التدخّل فيه، ولا تعني التدخّل، أيضاً، في عمل المؤسسات الأمنيّة إمّا لتركيب ملف أو لتبرئة متّهم. لا، لسنا راضين عمّا نحن فيه. وكنّا نريد للرئيس القويّ والاستثنائي أن يكون كذلك بالممارسة. أن يضع الجميع أمام مسؤوليّاتهم في ملف تشكيل الحكومة. أن يخوض حرباً على الفساد لا تميّز بين فاسدٍ وآخر. أن يأتي بأصحاب الكفاءات الى المواقع الوزاريّة والإداريّة، بدل بعض الأسماء التي تأكل من رصيده والتي تضطرّ أحياناً الى “تبييض الوجّ” مع الرئيس وصهره للبقاء في مواقعها. فيلفعل الرئيس ذلك كلّه، وسنكون وراءه، نصفّق له وندافع عنه، بدل أن يستعين، حصراً، ببعض أقلام المستفيدين الذين كانوا يشتمونه منذ أشهر، وهم يسيئون إليه اليوم في دفاعهم المدفوع الثمن عنه. الفرصة لم تفت بعد. يحتاج الأمر الى عدم إنكار سوء الواقع الذي نعيشه، ثمّ الى قرار. يحتاج لمن يقول بصوتٍ مرتفع “أنا ميشال عون”.
داني حداد/mtv