هل نشهد “ولادة جديدة” لحزب الله؟
من إعتذار النائب محمد رعد عن ما قاله النائب نواف الموسوي،
بقصد لجم التوتر مع البيئة المسيحية، إلى الموقف الذي أطلقه النائب علي
عمّار، وفيه نبرة إيجابية تجاه الرئيس سعد الحريري، وصولاً إلى تأكيده أن
لا أحد في لبنان قادرعلى إلغاء الآخر. وبعدهما، كلام الأمين العام لحزب
الل،ه السيد حسن نصر الله، الهادئ، والذي تناول تفاصيل الملفات اللبنانية.
كلها مؤشرات على المنحى الجديد الذي يتّخذه حزب الله. وبمعزل عن اتهامات
بعض المعارضين لحزب الله، ووصفهم للاعتذار أو لمواقفه الهادئة بأنها
“التقية” التي يتبّعها، أو أنها لا تمثّل الأساس في نهجه.. ثمة مفارقات لا
يمكن تجاوزها، ولا اختزالها بسطحية تهمة “التقية”.
الحزب والإدارة العامة
كل
ذلك، ينطلق من تغيّر نظرة حزب الله إلى لبنان، وتحوله من “ساحة” إلى
“موطن”، لا بد من الاهتمام بأوضاعه، انطلاقاً من كلام أمين عام الحزب، بأن
جميعنا في سفينة واحدة، فإذا ما غرقت سيغرق الجميع. وبالتالي، يقدّم
اهتمامه بالمسار الإصلاحي، بأنه محاولة للإنقاذ.
قد يعتبر البعض، بالنظر إلى الأبعاد السياسية الإقليمية المشتبك معها الحزب، أن تهدئة حزب الله في الداخل، وتحصين نفسه بالسياسة “الطبيعية” اليومية، ما هي إلا نتاج حسابات خارجية، وتتحسب لوقوع مواجهة خارجية. وبالتالي، من مصلحته المباشرة أن يرسي الهدوء والتوافق الداخلي، لمواجهة أي أخطار خارجية.
لكن أيضاً، ما يجري من إرساء للتهدئة من قبل الحزب، واستعداده
للعمل في جملة ملفات حساسة، من مكافحة الفساد إلى الأزمات الاقتصادية
والمعيشية، يعبّر عن نهج جديد يستعدّ الحزب لممارسته لبنانياً. وهذا يحتاج
إلى قراءة متأنية وبعناية، خصوصاً أن ذلك سيضعه في آن واحد بمواجهة مع
حلفاء وخصوم. على الأقل وبالحدّ الأدنى، ستكون المنافسة على النفوذ مثلاً
داخل إدارات الدولة (وحركة أمل هي المرشحة الأولى)، إذ أن دخول طرف أساسي
وفاعل في التفاصيل اليومية لعمل المؤسسات العامة وهيئاتها، بعدما كان
بعيداً ومتعففاً عنها، لا بد سيرسي تغيّراً جوهرياً في آلية عمل القوى
والأحزاب مع بعضها البعض.
“القوي” وتصفية الحسابات
في هذه
النقطة بالتحديد، يمكن وضع كلام النائب علي عمّار، بأن لا أحد في لبنان
قادر على إلغاء الآخر. رسالة عمّار تستهدف باسم الحزب، حلفاء الحزب، وليس
خصومه. فبموازين القوى المحلّية لا أحد يمتلك القدرة على محاصرة أي طرف أو
إلغائه، إلا من يمتلك القوة، أو من يستند على مالك القوة. مالك القوة هنا
هو حزب الله، ومن يستند عليه لإلغاء الآخرين، هو التيار الوطني الحرّ، الذي
لديه حسابات بحاجة إلى تصفية، مع كل من تيار المردة، القوات اللبنانية،
الحزب التقدمي الإشتراكي وحركة أمل. يستند رئيس التيار الوطني الحرّ في
حراكه هذا، إلى التحالف مع القوتين البارزتين، حزب الله من جهة، وتيار
المستقبل، الذي يمثّل القوة السنية من جهة أخرى. وأيضاً، يرتكز باسيل على
علاقته مع النظام السوري، لتصفية حسابات مع حلفاء آخرين لهذا النظام.
عين الريبة
إذا
صح التقدير، رسائل حزب الله المتعددة موجهة أولاً إلى التيار الوطني
الحرّ: “لا أحد قادر على إلغاء أحد”. وهذه لا يمكن فصلها أيضاً عن ارتياب،
ولو بحدّ أدنى لدى الحزب، من عمق التفاهم بين التيار الوطني الحرّ وتيار
المستقبل، الممثل بشخصيّ رئيساهما، خصوصاً أن هذا التحالف المصلحي يتعمّق
أكثر عند كل استحقاق اقتصادية، من دير عمار إلى خزانات النفط، مروراً
بالتعيينات، والاتصالات والكهرباء. هذا الارتياب من العلاقات البعيدة
والمتمددة داخلياً وخارجياً بين باسيل والحريري، ينظر إليها الحزب بعناية
فائقة، خصوصاً أن هناك شخصيات وقوى متمولة، لها ارتباطات بالخارج، تدخل على
رعاية هذا التحالف وتعميقه.
هموم الناس عنواناً
يعمل حزب
الله في السياسة كما هي آلية عمله في الأمن والعسكر. يتم تحديد الهدف،
وإعداد الدراسات حوله، وظروف تحقيقه. هي المرة الأولى التي يضع فيها حزب
الله أولوية أهداف متعلّقة بشؤون الناس والإدارة. وعلى ما يبدو، سيسعى
جدياً إلى تحقيقها. يشبّه البعض آلية دخول حزب الله إلى التفاصيل
اللبنانية، بأنها الولادة الجديدة للحزب، بعيداً عن حزب الله الجهادي، وفق
الرؤية التأسيسية له. الهدف الأساسي للحزب كان المقاومة، وكل العمل السياسي
كان في خدمة المقاومة، من الإعلام إلى العمل النيابي، إلى العمل الوزاري.
كل مسؤول في حزب الله، مفترض أن يكون جهادياً، خضع لدورات ولعمليات مرابطة.
اليوم ثمة تغيّر ملحوظ في الحزب، يحيله إلى ولادة جديدة، تتعلق بسياسة جديدة، قوامها هموم الناس المعيشية والاقتصادية والاجتماعية. ينطلق حزب الله بآلية جديدة معنية بشؤون الناس. الولادة الجديدة تعني الإنهماك في البعد السياسي، مع الحفاظ على الجانب الجهادي والمقاوم. وهذه الولادة ستتكرس بكل التفاصيل اليومية. في الأبعاد السياسية، لا بد من قراءة الدخول الجديد للحزب إلى هذا المضمار، من وجهة نظر القوى الأخرى، والتي قد يعتبر بعضها أنها مجال جديد للتنافس. أيضاً، لا بد من النظر إليه من وجهة نظر الحزب، الرافضة لهذه الثنائية السنية – المارونية المستجدة، التي تسعى إلى ضرب ما عداها أو من يخرج عنها.
منير الربيع/ المدن