التلاقي الخماسي بين بري والحريري وجنبلاط وجعجع وفرنجية، لم يرتق بعد الى مستوى تأليف جهة واحدة
من المفترض أن يشكّل الأسبوع الطالع مساحة زمنية لامتصاص التوترات التي طبعت الساحة السياسية، إثر الاشتباكات المتنقلة بين القوى السياسية، والحادثة الخطيرة التي حصلت أمس في الجبل.
من المقرّر مبدئياً ان يطلب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع موعداً لزيارة رئيس الجمهورية العماد ميشال عون، إضافة الى لقاء مصالحة سيجمع رئيس الحكومة سعد الحريري بالزعيم الدرزي وليد جنبلاط بمسعى من رئيس المجلس النيابي نبيه بري ورعايته.
وعلى رغم من المناخ الايجابي الذي سيسود كنتيجة لهذين اللقاءين، الّا انّ عمق الامور لا يشي بهذا التفاؤل. فالتلاقي هنا لن يعني تفاهماً حول سلة التعيينات بكاملها، أقلّه كما تبدو الصورة حتى الساعة. ثمة مشكلات كبرى لا تتعلق فقط بالتنازع الحاصل حول بعض المواقع الأساسية، بل إنّها تصل الى أبعد من ذلك، إلى رسم توازنات داخليّة جديدة تحاكي، ولو من بعيد، استحقاقات منتظرة وفي طليعتها استحقاق رئاسة الجمهورية.
فثمة من يرى تعاوناً، ولو وفق خط متعرّج، بين الخماسي: تيار”المستقبل”،
حركة “أمل”، “الحزب التقدمي الاشتراكي”، “القوات اللبنانية” وتيار”المردة”.
ولا بدّ من الاعتراف بأنّ كلام الوزير جبران باسيل خلال جولته في البقاع
الغربي حول السنيّة السياسية، فتح الباب أمام نزاع كان لا يزال مكبوتاً وقد
يكون شكّل بداية مرحلة جديدة.
قبل ذلك، كان التململ يسود الساحة السنيّة “إزاء تساهل الحريري غير المفهوم”. وبعد لقاء “تل دنوب” إنفجرت الامور دفعة واحدة، ما دفع الحريري الى الانكفاء خارجاً لبرهة من الوقت قبل ان يعود الى لبنان وقد عدّل كثيراً في أسلوبه.
هذه التعديلات لم ولن تطاول التسوية الرئاسية، والتي قامت على أساس نقاط عدة يومها أبرزها:
– انتخاب العماد ميشال عون المتحالف مع “حزب الله” رئيساً للجمهورية.
– سعد الحريري رئيساً للحكومة طوال عهد عون وهو حليف السعودية الأول في لبنان.
– تشكيل حكومات العهد بالتوافق والتفاهم بين القوى الاساسية وبعيداً من التحدّي.
– ان تعتمد الحكومات سياسات “النأي بالنفس” والحياد عن النزاعات في المنطقة ولاسيما منها النزاع في سوريا.
– أن يدشّن عون زياراته الخارجية بزيارة السعودية.
– ان لا يزور سوريا طالما انّ النزاع لا يزال دائراً.
– أن يعلن “حزب الله” موافقته الصريحة على كل هذه البنود.
لكن ما استُجد على السلوك السياسي للحريري هو إدخال تعديلات تتناسب مع المساحة التي يشغلها الوزير جبران باسيل، والتي ظهر في وضوح أنّها اشعلت معارضة قوية لها في الشارع السنّي، إرتدّت على الحريري نفسه.
ولم يكن مجرد تفصيل أن ترتفع الاصوات داخل البيئة السنّية، تتهم الحريري بالتساهل في صلاحيات رئاسة الحكومة أمام “طحشة” باسيل، الذي يتصرّف على أساس من فائض القوة.
وخلال زيارته قصر بعبدا، غداة عودته من رحلته الخارجية التي طالت نسبياً، اشتكى الحريري امام عون من السلوك الذي ينتهجه باسيل، ومعتبراً أنّه يدفع به بعيداً عنه. وعدّد بعضاً من الممارسات التي حصلت.
ولم يعمد عون الى مقاطعة الحريري، بل تركه يفيض بما عنده ومبدياً تفهمه له في بعض النقاط، ومعترفاً ضمناً بالأخطاء التي ارتكبها باسيل. لكنه طلب منه مصارحة باسيل ايضاً وأنه سيقوم بما عليه.
وخلال جلسة الساعات الخمس التي جمعت الحريري وباسيل، حصل تقييم عام ومراجعة لكل ما حصل، وعدّد الحريري نقاط الإحراج التي طاولته وطاولت دوره. ووفق المطلعين، كان الحريري هجومياً وباسيل دفاعياً، لتنتهي الجلسة على تفاهم على إعادة النظر بكل النقاط التي أدّت الى التوتر.
وبدا انّ تعديلات طرأت على الاسلوب السياسي لباسيل نتيجة جلسة “بيت الوسط”، والأهم نتيجة تدخّل رئيس الجمهورية. ولم يعد سراً وجود معارضة قويّة داخل عائلة عون حيال سياسة باسيل، الى درجة أنّ احد هؤلاء أبدى خشيته للرئيس من الخطر الذي يحدق بالرصيد السياسي الكبير لـ”التيار العوني”.
في الواقع، فإنّ التلاقي الخماسي بين بري والحريري وجنبلاط وجعجع وفرنجية، لم يرتق بعد الى مستوى تأليف جهة واحدة. لكن بلا شك هنالك تقاطعات كثيرة بينهم، وفق صيغة تعاون مرنة ومطاطة تجمع ما بين المعارض بشراسة، مثل فرنجية، والمعارض “على القِطعة” مثل جنبلاط وجعجع، والمعارض بصمت مثل بري، والمعترض بمرونة مثل الحريري.
في وقت قلّص ملف التعيينات من المسافة الفاصلة بينهم. مثلاً يبدو جعجع
مطمئناً، الى تعيين مرشحه في المجلس الدستوري، هو اقتنع على ما يبدو بتبرير
بري ونال في المقابل وعداً منه ومن الحريري بأنّه سيكون له موقع في المجلس
الدستوري.
ونقل الحريري الى جعجع موافقة عون لحصوله على مقعد ماروني في المجلس الدستوري.
وفي هذا السياق، سأل الحريري رئيس الجمهورية لماذا لا يطوّر علاقته بجعجع، الذي أجاب، بأنّه هو من يطلب ذلك، متسائلاً لماذا لا يأتي جعجع للقائه في قصر بعبدا؟
ووفق هذا المناخ، يستعد جعجع الى طلب موعد لزيارة قصر بعبدا، فاصلاً في علاقته بينه وبين رئيس الجمهورية وبينه وبين باسيل. وهو وجّه إشارة لعون منذ يومين، خلال اجتماع عام لـ”القواتيين” ويضمّ زهاء 150 شخصاً، وهو يدرك أنّ مضمون الاجتماع لن يبقى سرياً، حيث قال: “لا تتركوا مجالاً للتشكيك بأننا نادمون على تسوية معراب، وأننا حصدنا الخسارة. لاننا ربحنا رئيساً للجمهورية بكل ما للكلمة من معنى”.
في المقابل، كان باسيل يُدرك بقوة وجود خطة سياسية تميّز بينه وبين رئيس الجمهورية وتفصل في التعاطي بينهما. ولا شك في أنّه لم يكن راضياً عن ذلك، خصوصاً وسط الإنتقادات المتتالية ضده داخل العائلة.
وخلال زيارة جعجع لـ”بيت الوسط” ولقائه بالحريري، تحدث رئيس الحكومة عن نمط جديد سيعتمده، موحياً بتقارب أكثر مع “القوات”.
قد يكون جعجع لمس أنّ الحريري سيذهب الى النهاية لضمان تنوّع التعيينات، حتى ولو تطلّب ذلك توقف جلسات مجلس الوزراء. لكنه كان واضحاً في التعبير أنّه متمسّك بالتفاهم مع رئيس الجمهورية، وأيضاً مع باسيل. ولكن الجديد أنه يريد هذا التفاهم ضمن حدود وشروط عدم التجاوز مطلقاً.
وخلال الجلسة بين الحريري وجعجع استفاض رئيس “القوات” في شكواه من باسيل، ليردّ عليه الحريري قائلاً: “بتستاهلوا، سرنا بخيار فرنجيّة ولكنكم لم تقبلوا ولم توافقوا”.
كلام الحريري، ولو أنّه جاء في إطار لوم جعجع على محطة حصلت، لكنه يحمل بلا شك مؤشرات قد تطاول المستقبل. هي ليست مؤشرات حاسمة بالتأكيد، لكن لا يمكن إمرارها ببساطة أيضاً.
ثمّة رابط ما بين حادثة تل ذنوب وحادثة بعلبك والاشتباك الخطير المسلح بالامس، والتي حصلت خلال زيارات باسيل للبقاع الغربي والبقاع الشمالي والجبل. لا بدّ من تبيان حقيقة هذا الرابط والرسائل الصادرة عنه.
جوني منير / الجمهورية