تأخر تعيينات مصرف لبنان:شهيّة باسيل وتبدّل مزاج الحريري
مازال الشغور في مناصب نوّاب حاكم مصرف لبنان قائماً منذ انتهاء ولاية النواب الأربعة في 31 آذار الفائت. وفيما كان متوقّعاً بتّ مجلس الوزراء خلال جلسة الرابع من نيسان الفائت بتعيين نوّاب جدد أو التجديد للحاليين، جُمّدت التعيينات بفعل الخلافات السياسية، فدخل التأخير شهره الرابع.
التريث في الصرف
وفق
المادة 24 من قانون النقد والتسليف، النواب الأربعة ملزمون بترك مواقعهم
الوظيفية بعد انتهاء ولايتهم، وتصفية حساباتهم في مصرف لبنان. ويتوجب على
الأخير تسديد تعويض مساوٍ لرواتبهم عن سنتين في حال عدم التجديد. وفي هذا
الصدد يقول مصدر رفيع في المصرف المركزي فضل عدم الكشف عن اسمه
لـ”المدن”: “جرت العادة التريّث في الصرف، إذ لا مصلحة لنواب الحاكم بقبض
تعويضاتهم إلا بعد التأكّد من الاستغناء عن خدماتهم وتعيين بديل عنهم، وإن
أعيد تعيينهم يستمرون في العمل”. وعن آلية التعيين يذكّر المصدر بأنّ
“الملف قانونيّ بحت. إذ ينصّ قانون النقد والتسليف في تفاصيله، على تعيين
نواب الحاكم بموجب مرسوم يصدر عن مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير
المالية واستشارة حاكم مصرف لبنان، وذلك لولاية مدّتها 5 سنوات. يستمع مجلس
وزراء إلى اقتراح وزير المالية الذي يستشير بدوره الحاكم، إلا أنّ
الاستشارة غير ملزِمة بنتائجها، فيمكن لوزير المالية اقتراح أكثر من اسم
ليختار المجلس اسماً منها لكلّ منصب”.
أما عن سبب تأخير بتّ التعيينات،
فيضيف المصدر: “ليست المرة الأولى التِي تتأخّر فيها الحكومة على هذا
النحو. حصل تأخير مرات عدّة سابقاً، إن لجهة تعيين نواب الحاكم أو أعضاء
لجنة الرقابة. أما الأسباب فقد تكون سياسيّة أو ربما منافسة على الأسماء أو
ترتيباً للأولويّات!”. ولدى سؤاله عن الأسماء المطروحة والترجيحات، قال:
“كل الأسماء المطروحة يمكن أن ترد خلال جلسة التعيين أو لا. لا شيء ثابتاً.
لذا لا يمكن المخاطرة بطرح أسماء قد لا تأتي، فهذا الأمر بيد مجلس الوزراء
حصراً لأنّه الجهة الوحيدة التي تقرر”.
منافسة درزية
تشير
المعلومات إلى أنّ نائب الحاكم الأول (شيعي عُرفا) رائد شرف الدين، يكاد
أن يكون اسمه الثابت الوحيد في التعيينات الأربعة، نظراً للدعم القوي الذي
يحظى به من رئيس مجلس النواب نبيه بري. فيما نائب الحاكم الثاني (درزيّ
عُرفا) الذي كان يشغله الدكتور سعد العنداري، الذي رفض الخوض بالحديث عن
فرص التجديد، لأن ثمة منافسة على هذا المنصب بين الزعيمين الدرزيّين وليد
جنبلاط والنائب طلال إرسلان المدعوم من الوزير جبران باسيل ورئيس الجمهورية
ميشال عون الذي فضّل بُعيد انتهاء ولاية نواب الحاكم، عدم التجديد للأسماء
الأربعة. وفي حين يطرح جنبلاط، بحسب المصادر، اسماً جديداً بديلاً عن
العنداري هو المصرفي في بنك البحر المتوسط فادي فليحان (فضّل عدم الحديث)،
يرشّح إرسلان صهره، عضو مجلس إدارة كازينو لبنان مجيد جنبلاط الذي أكّد
لـ”المدن” أنه صديق للجميع ولا يرى نفسه مرشحاً صدامياً، كما لا يريد أن
يكون كذلك. هو مرشح توافقي وغالبا ما توافق القطبان الدرزيان على تسميته.
يقول جنبلاط: “يملك المير طلال أكثر من اسم لهذا المنصب وقد عرض عليّ تبنّي
ترشيحي أيضا ولست أنا من طلب ذلك. إن أُوكلت إليّ هذه المسؤولية فلن
أتهرّب منها أبداً، إذ سبق وشغلت هذا المنصب مرتين سابقاً، فلنترك بت الاسم
للتوافق السياسي الذي لم أتدخّل به يوما”. ولدى سؤاله عن احتمال دعم
الرئيس وفريقه للنائب إرسلان داخل مجلس الوزراء إن لم يتم التوافق على اسمٍ
درزيٍ واحدٍ وذهبت الأمور صوب التصويت، قال: “لست مطّلعاً على التحالفات
السياسية وبالتالي لا أؤكد ولا أنفي”.
الوديعة الأميركية
أما
نائب الحاكم الثالث فيشغله سنيّ هو محمد بعاصيري الذي قيل سابقا إنه يلقى
دعماً من الرئيس سعد الحريري لبقائه بالمنصب، إلا أنّ مصدراً قريباً من بيت
الوسط كشف لـ”المدن” أنّ الحريري قد سبق ووعد مصرفياً سنّياً بتعيينه بدلا
من بعاصيري ولم يُعد طرح اسمه رسمياً إلى الآن. كما يُرجّح أن يكون هذا
الشخص مازن سويد الذي كان يشغل إدارة الأبحاث في بنك البحر المتوسط وقد
قدّم استقالته قبل نحو شهرين، ورفض الخوض أيضاً بموضوع ترشيحه.
ورغم
صعوبة التكهّن بقرارات الحريري، خصوصاً أنّه يتخذها في اللحظات الأخيرة،
تشير المعلومات إلى أنّ استبدال بعاصيري قد يكون صعباً مع احتمال توسيع
العقوبات الأميركية لتشمل أحزاباً وشخصيات من خارج “حزب الله”. فبعاصيري
الذي تصفه أوساط الممانعة بـ”الوديعة الأميركية”، مكلّف من الحاكم بمهام
خاصة وهو على تواصل وتنسيق دائم مع رئيس هيئة التحقيق الخاصة عبد الحفيظ
منصور، وله علاقات مع مراكز القرار المالية الأميركية ويلقى لديها آذانا
صاغية، وقد تكون هذه النقطة لصالح بقائه، لاسيّما إن كان التوجه يميل إلى
التجديد لزميله في المنصب الشيعي رائد شرف الدين.
شهية باسيل
منصب
نائب الحاكم الرابع كان يشغله الأرمني هاروت صاموئليان (78 سنة)، وتشير
المعلومات أنّ ثمة نية جدية لدى حزب “الطاشناق” الذي يعتبر نفسه معنيا بهذا
المنصب، باستبداله. لكن هذا القرار قد يفتح شهية الوزير جبران باسيل إلى
التدخّل بتعيين نائب الحاكم المسيحي الوحيد بين الأربعة، طالما أن مركز
الحاكم رياض سلامة يُمنع التعرّض له بإملاءات خارجية، وهذا الأمر يبدو أنّه
يسبب لـ”الطاشناق” بعض الإرباك. أما الاسم الذي يطرحه “التيار الوطني
الحر” فهو كبير اقتصاديّي منطقة الشرق الاوسط وشمال أفريقيا في معهد
التمويل الدولي الدكتور غربيس إيراديان الذي تقول المعلومات إنّه من طائفة
الأرمن الكاثوليك، وربما يكون هذا التفصيل سبباً لعدم وصوله لأنّ النائب
هاكوب بقردونيان وحزب “الطاشناق” يفضلان حصر المركز بالأرثوذكس ويفضلان عدم
كسر هذا العرف.
مرشّح تكنوقراط
يعرّف ايراديان
عن نفسه في اتصال مع “المدن” من العاصمة الأميركية بـ”المرشح التكنوقراطي”
الذي يملك خبرة تمتد لنحو 30 سنة، راكمها بين البنك الدولي وصندوق النقد
الدولي والمصارف العالمية. يعتبر إيراديان أنّ “خلفية المرشحين بمجملهم
مصرفية، وأظنّ أنّ المصرف المركزي يحتاج اقتصاديين قادرين على إحداث فرق في
الاقتصاد الكلّي (Macro economy). أنا أملك ما يكفي من هذه الخبرات. لست
تابعاً لأي جهة سياسية على الإطلاق رغم علاقتي الوطيدة بالفرقاء السياسيين
كلّهم. لكن يهمني جدا أن يتوافق التيار الوطني الحر عليّ مع حزب الطاشناق،
لا أن أكون سبباً للخلاف بين حليفين انتخابيين. سبق واتفقت مع جهات في
التيار العوني على ترشيحي كما كان لقائي بالأمين العام لحزب الطاشناق
النائب هاكوب بقرادونيان جيداً جدا، لكن في نهاية المطاف قد تختلف الحسابات
السياسية لكل حزب”.
يؤكّد إيراديان أنّه يصبو إلى هذا المنصب بهدف خدمة
لبنان ولأنّ المنصب وظيفة بغاية الأهمية، لافتاً إلى أنّ دخله الحالي في
واشنطن يفوق المتوقّع من نيابة الحاكم، ويختم حديثه رافضاً التبعيّة لأي
حزب من الأحزاب، مؤكداً من جديد أنه: “مثال نموذجي للمرشّح التكنوقراطي”.
لا مجال للمستقلين
يُسجّل لرجال السلطة ترشيحهم لشخصيات ذات كفاءات عالية وباع طويل في المجالات المصرفية والاقتصادية، إلا أنّ اللعبة السياسية و”مماحكاتها” غالبا ما تسفّه الانجازات وتميّع الكفاءات. لذا استطلعت “المدن” رأي الخبير في إدارة المخاطر الدكتور محمد فحيلي وهو من خارج “المنظومة” القائمة. اعتبر فحيلي أنّ “التأخير بتعيين نواب الحاكم دليل على أنّ مجلس الوزراء لا يعطي هذه التعيينات ثقلها. لو كان الحال كذلك لتفهّم أهمية دور مصرف لبنان المحوري والحساس لجهة حماية الاقتصاد والنقد والحفاظ على الاستقرار المالي. لا بد أن يكون فريق العمل الخاص بالحاكم مكتملاً في كل الظروف والأوقات. وليس في اللحظة التي تنتهي بها ولاية نواب الحاكم نبدأ بالحديث عن تعيين البدلاء! لا بد من وجود آلية تضمن الاستلام والتسليم”.
ويضيف فحيلي: “ملف نواب الحاكم يشبه ملف الموازنة. دخلنا في النصف الثاني من السنة المالية وما زلنا نناقش موازنة العام 2019، بينما كان يفترض أن ينتهي النقاش بها وإقرارها في نهاية العام الفائت”.
ولدى سؤاله عن تطلعه للترشح إلى مركز نائب الحاكم الثالث، قال: “لست الوحيد الذي أطمح إلى الترشّح، فالكثيرون من المصرفيين الكفوئين أيضاً يتطلّعون إلى إنهاء مسيرتهم المهنية بموقع مهم كموقع نائب الحاكم، خصوصاً حينما يعتمد حصراً على الكفاءات والقدرات، لكن للأسف لا وزارة المالية ولا مجلس الوزراء ولا حتى المصرف المركزي يفتح هذا المجال، فلا نافذة ولا صفحة إلكترونية لاستقبال السيَر الذاتية للمرشحين المستقلين. حبذا لو يفتح مجلس الوزراء يفتح باب الترشح رسمياً ويسرّع البت في هذه التعيينات نظراً لحساسيتها ولدقّة المرحلة”.
المدن