معجزة شربل خليل
لم يتأخر شربل خليل. على الموعد، وصل ليحول حفل الرداءة الذي يدور حول مشروع ليلى إلى مهزلة.
يُحسب للمخرج التلفزيوني مقدرته على جمع كل صفات المتطرف
الساذج. يميني ومحافظ وطائفي وعنصري وشعبوي وضد المثلية (طبعا!) في آن
معاً. ومع أنه ليس حالة شاذة لبنانياً، إلا أنه أقرب إلى معجزة في التزامه
بصفاته، حتى لا يمكن أن نتوقع منه مفاجأة، ولو صغيرة، بأن يقدم ما يستحق
المشاهدة على المستوى الفني، أو يلقى حداً أدنى من القبول على مستوى
المحتوى. هكذا هي المعجزات، أما أن تكون كشربل خليل، أو لا تكون.
توريط القديس
في
رده على مشروع ليلى، ذهب إلى جذر المشكلة، كما قد يتوهمها الرأس فوق
كتفيه. إنه “الشذوذ” الجنسي الذي قرر شربل أن يشفيه. ومن دون أن يأخذ أذنه،
ورط معه قديساً عرفت عنه معجزات شفائية تقليدية. بغض النظر عن عدم قدرة
أحد على إثباتها علمياً، فإنها تظل ضمن سقف المعجزات المحسوبة على مقدسين
من أديان كثيرة، يشفون من الشلل أو فقد البصر أو النطق. معوقات يمكن ملاحظة
الشفاء منها بالعين المجردة وضمن احتفاليات عامة، يتخللها الكثير من
التهليل والدموع، كأن يمشي شخص مقعد، كأن ينطق شخص أبكم. لكن الجنس وما
يتعلق به يظل يحوطه من الحياء ما يدفع اللاجئين إلى الماورائيات إلى
استشارة القديسين في أحوالهم سراً منعا للإحراج المتبادل.
لكن شربل ورط شفيعه في ما قد لا يشتهيه. لم يبتكر إذ شبه المثلية بالمرض. هذا، إضافة إلى الرمي من شاهق، من الوسائل القديمة جدا في محاولة قمع المثليين ونبذهم وإلحاق العار بهم. لن نترقب من شربل أن يكون خلاقاً طبعاً. كان عليه أن يحاول أكثر، على الأقل كي لا يتعرض لهذه الموجة العارمة من السخرية. لكنه مصر، ولا شك أن الموجة ستكبر بينما شربل (خليل) يواجه صعوبة جمة في إقناعنا أن “الشاذ” الذي يقف بين يديه شفي تماماً من “مرضه”. فحتى لو استعان بواحد من ممثلي برامجه ليؤدي الدور، لن يجد سيناريو مقنعاً لمثليّ يصرخ فجأة أنه لم يعد مثلياً. كيف يقنعنا أنه لم يعد مثلياً بسبب شربل خليل؟
“مشروع شربل” يترقبه جمهور واسع، من المثليين وغيرهم. لا شك
أن الفرجة عليه وهو يحاول الخروج من الحفرة التي حفرها لنفسه، ستكون نوعاً
رفيعاً من التسلية. المهم الآن ألا يتراجع عن مشروعه. شربل هو الأبله
المفيد. خصم غالبا ما يجيد تسفيه نفسه بنفسه. لا يحمل خصومه عناء تهشيم
مصفوفة أفكاره وقضاياه. يتطوع للقيام بمهمة أعدائه.
الهستيريا العامة
هذا
المفيد يصغر ليصير بمقاس شخص شربل، ويكبر ليصير بحجم حالة الهستيريا
العامة التي تتعاطى مع فرقة مشروع ليلى كآخر قلعة للشيطان في العالم. لو أن
حفلة مشروع ليلى مرت من دون شربل، وكل هذه الضجة، لما أثير هذا النقاش
الضروري حول المثلية وحول حرية التعبير من دون الخوف من سطوة المقدس. نقاش
قد يفيد عقولاً ما زالت طرية وقابلة للسؤال والتشكيك. لن يكون نقاشاً
صحياً، لكنه سيترك أثراً، وإذ يبدأ بهذه السخرية التي لا مفر منها من كل
أنواع الرهاب التي فاض بها لبنان في الأيام الأخيرة حول فرقة موسيقية، فهذا
ليس دليلا على أن أشباه شربل يتضاءل عددهم، لكنه دليل على أن لغتهم تواجه
أزمة عميقة. الزمن تغير، وشربل، كنموذج، ما زال خارج الزمن.
لكن شربل دخل في النقاش حاملاً زبدة اللغة المتطرفة المعلوكة، صفاءها وخلاصتها المكثفة. بدا في اقتحامه هذا أقرب إلى الفيروس الذي يستخدم كلقاح. لبنان بحاجة إلى التداوي بالذي كان هو الداء. شربل خليل هو الداء والدواء. هنا تكمن معجزته.
جهاد بزي / المدن