سقوط التسوية يفتح باب “جهنم” سياسي!
كريستال خوري – اساس
سقط “مشروع التسوية” على أعتاب المجلس الدستوري الذي لم يتمكّن من تأمين تفاهم بين أعضائه العشرة، بعد سبع جلسات متتالية، لحسم الجدل الحاصل حول التعديلات التي أقرّها مجلس النواب في قانون الانتخابات.
ولا يعني ذلك أنّ الخلاف العموديّ بين مكوّنات المجلس هو الذي سدّد ضربة قاضية للتسوية التي كان يُعمَل عليها خلال الساعات الأخيرة، بل إنّ نأي “الدستوري” بنفسه عن القرار هو نتيجة عدم قدرة القوى السياسية على حياكة تفاهم يلبّي مطالب العاملين على خطّ هذه التسوية في جوانبها المتعدّدة: تصويت المغتربين الذي يريده رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في الدائرة الـ16، وليس لـ128 نائباً، وكيفيّة احتساب الأكثرية في مجلس النواب في ضوء الشغور النيابي الحاصل، وتحرير الحكومة، وفصل مسارات التحقيق العدلي في ملفّ انفجار المرفأ بتحويل الرؤساء والوزراء إلى المجلس الأعلى لمحاكمتهم.
سقط “مشروع التسوية” على أعتاب المجلس الدستوري الذي لم يتمكّن من تأمين تفاهم بين أعضائه العشرة، بعد سبع جلسات متتالية، لحسم الجدل الحاصل حول التعديلات التي أقرّها مجلس النواب في قانون الانتخابات
فما هي حقيقة هذا المشروع؟
تقول الرواية إنّ “حزب الله” حرّك ماكينته ليل الأحد الماضي ليعيد إحياء طرح سبق لباسيل أن قدّمه بنفسه، ويقضي بإجراء تغيير في أربعة مواقع قضائية، بينها رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود والمحقّق العدلي طارق البيطار، وبفصل مسار التحقيق مع السياسيين عن بقيّة المسارات القضائية من خلال إعادة تفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، مقابل ضمان باسيل عدم تعرّضه لنقمة تصويت غير المقيمين في الدوائر الـ15، وأهمّها دائرة الشمال الثالثة التي أُضيف إليها أكثر من 26 ألف ناخب غير مقيم، بينهم أكثر من ستة آلاف في البترون، وإعادة النظر في كيفيّة احتساب الأكثرية في مجلس النواب.
وبالفعل، بدا باسيل في الساعات الأخيرة ميّالاً إلى السير بهذه المقايضة، خصوصاً أنّه كان شبه متيقّن أنّ قرار المجلس الدستوري لن يلبّي أجندته السياسية، فيصير قانون الانتخابات ساري المفعول. وعلى هذا الأساس، أُعيد إحياء هذه المبادرة التي تؤكّد الرواية أنّ رئيس الحكومة نجيب ميقاتي كان على اطّلاع على تفاصيلها منذ أن جرى تركيب قطعها منذ أكثر من أسبوعين.
ولهذا، وحرصاً منه على إنجاح المسعى التسوويّ، جرى التواصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة لوضعه في صورة المستجدّات بعدما صار بالإمكان ترجمة تلك المبادرة إلى خطوات عملانية، خصوصاً أنّ باسيل قفز من مقلب الامتناع إلى مقلب الشراكة وهيّأ جمهوره بأن اتّهم البيطار بـ”الاستنسابية” في بيان عشيّة التفاوض النهائي حول التسوية. إلا أنّ المستغرب كان ردّة فعل رئيس الحكومة الذي أنكر علمه بتلك المبادرة، ومسارعته إلى نفض يديه من أيّ قرار قد يُتّخذ على طاولة الحكومة ويطول القضاة، وتحديداً عبّود والبيطار، مع أنّ رئيس الحكومة هو نفسه سبق له أن حاول الترويج لمبادرة تقضي بالذهاب نحو تأليف لجنة تحقيق برلمانية وصولاً إلى تفعيل المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء.
إلا أنّه غاب عن ذهن طابخي تلك التسوية أنّ ميقاتي مهجوس بالصورة التي يقدّمها أمام المجتمع الدولي، وتحديداً الإدارة الفرنسية، الداعم الأساسي له، وكيف أنّه يخشى أن يبدو شريكاً في تسوية من شأنها أن تطيح برئيس مجلس القضاء الأعلى الذي يعتقد البعض أنّ الفرنسيين قد يقدّمونه في وقت لاحق مرشّحاً جدّيّاً لرئاسة الجمهورية. ولهذا سارع ميقاتي إلى نفض يديه من “الديل” مفتعلاً الضوضاء لدى خروجه من عين التينة تحت عنوان رفضه المسّ بالسلطة القضائية، محاولاً تكريس صورة الحياديّ المهتمّ فقط بإجراء الانتخابات النيابية، من دون أن يذوب في محور الثامن من آذار.
حرصاً منه على إنجاح المسعى التسوويّ، جرى التواصل بين رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة لوضعه في صورة المستجدّات بعدما صار بالإمكان ترجمة تلك المبادرة إلى خطوات عملانية
ماذا بعد انفراط المشروع؟
الأكيد أنّ ميقاتي بات يخشى على مصير حكومته بدليل أنّ هناك من يقول إنّه فور خروجه من عين التينة سارع إلى إجراء سلسلة اتصالات بعدد من السفراء الغربيين من باب السعي إلى تأمين حماية للحكومة ومنعها من السقوط بضربة الاستقالات الجماعية من جانب الوزراء الشيعة، مقابل الضغط لإجراء الانتخابات النيابية في موعدها، على أمل أن يتمكّن الدعم الغربي، الذي تقدّمه بعض العواصم من خلال مجموعات الحراك المدني أو المعارضة، من قلب طاولة الأكثرية رأساً على عقب.
والأكيد أيضاً أنّ جبران باسيل تعرّض لضربة قاسية، خصوصاً إذا ما جرت الانتخابات في موعدها، بعدما أُلقي على كتفيه عبء الناخبين غير المقيمين الذين يخشى من تصويتهم السلبي اتجاهه، وأنّ الثنائي الشيعي لم يبلع ردّة فعل رئيس الحكومة ولا ضربه بالتسوية عرض الحائط، وثمّة كلام عن انزعاج شديد من جانبهما إزاء تصرّف ميقاتي.
الأكيد أيضاً هو احتمال بروز محاولة جديدة لفتح باب المجلس الدستوري من جديد. إذ أكّد رئيس المجلس الدستوري القاضي طنّوس مشلب في حديث صحافي أنّه “لا يحقّ للجهة نفسها أن تقدّم الطعن نفسه مرّة أخرى لأنّ المهلة انقضت، لكن ما دمنا لم نتّخذ قراراً فبإمكاننا إعادة النظر في الموضوع”. والجدير بالذكر أنّ الـ”لا قرار” هو سابقة في تاريخ المجلس الدستوري، لأنّه عادة ما كان يتمّ تعطيل النصاب في حالات الخلاف بين أعضائه. وثمّة آراء قانونية تقول إنّ هناك استحالة أن يُعاد النظر في القانون، ولا سيّما أنّ مشلب قال بنفسه إنّه صار نافذاً.
وفي هذا السياق، يقول رئيس منظمة جوستيسيا وأستاذ القانون الدولي المحامي الدكتور بول مرقص لموقع “أساس” إنّ “هناك صعوبة قانونية إلى حدود الاستحالة في إعادة النظر في ما خلص إليه المجلس الدستوري، ذلك لأنّه محكوم بمهلة الـ15 يوماً التي ينصّ عليها قانون إنشاء المجلس، في ما خصّ المذاكرة في جلسة مفتوحة حتى اتخاذ القرار أو عدمه”، مشيراً إلى أنّ “هذه المهلة تنتهي مع انقضاء اليوم، خصوصاً إذا جرى تنظيم محضر رسمي يثبت انتهاء المجلس من مذاكرته من دون قرار وإبلاغه إلى رئيس الجمهورية وسائر المرجعيات المعنية”، مؤكّداً أنّ “اللاقرار هو قرار بحدّ ذاته، ويعني عدم قبول الطعن، وبالتالي يصبح القانون سارياً نهائيّاً”، لافتاً إلى أنّ “قانون تعليق المهل القانونية لا يسري على المهل القانونية الواردة في قانون إنشاء المجلس الدستوري، وبالتالي لا يمكن التقدّم بالطعن مرّة ثانية”.
إقرأ أيضاً: قانون الانتخابات: لا قرار في المجلس الدستوري
وفي مؤتمره الصحافي المسائي، اعتبر باسيل أنّه “تمّ إسقاط المجلس الدستوري وتعطيله لأنّ الطعن لم يسقط، بل لم يصدر قرار بشأنه، وما يحدث هو حلف رباعي جديد بوجهنا”.
فهل جرى التمديد لأيام التفاوض؟ أم سقطت التسوية نهائياً ودخلنا في المجهول السياسي؟