بين ﺍﻟﺸﻚ ﻭﺍﻻﺭﺗﻴﺎﺏ…جنون عظمة
نقولا ابو فيصل*
ﻻ ﻳﺮﻯ مريض جنون الارتياب ﺇﻻ “ﻣﺆﺍﻣﺮﺍﺕ” ﺗﺤﺎﻙ ﺣﻮﻟﻪ ، ﻭﻻ ﻳﻔﺴﺮ ﺃﻱ ﻓﺸﻞ ﺃﻭ ﺗﻌﺜﺮ ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻓﻼﻧﺎً ﺗﺂﻣﺮ ﻋﻠﻴﻪ ﻹﺳﻘﺎﻃﻪ ﺃﻭ ﺇﻓﺸﺎﻟﻪ ،كما ﻳﺼﺒﺢ ﻋﺪﺍﺋﻴﺎً ﺿﺪ ﺃﻱ ﺷﺨﺺ ﻳﺮﻳﺪ ﺇﻗﻨﺎﻋﻪ ﺃﻥ ما يظنه ﻣﺆﺍﻣﺮة هو ﻣﺠﺮﺩ ﻭﻫﻢ وﻣﺮض ، كما يصبح يشك بمن ﻳﺤﺎﻭل ﻣﺴﺎﻋﺪﺗﻪ ﻭﻻ ﻳﺮﻯ ﺃﻱ ﻣﺴﺎﻋﺪﺓ ﺇﻻ ﻣﺪﺧﻼ ﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺓ ﺟﺪﻳﺪﺓ ﻋﻠﻴﻪ، ﻭﻳﻠﺠﺄ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺘﻌﻮﻳﺾ ﻋﻦ ﻋﻘﺪﺓ ﺍﻻﺿﻄﻬﺎﺩ ﺑﺎﻟﻮﻗﻮﻉ ﻓﻲ ﺟﻨﻮﻥ ﺍﻟﻌﻈﻤﺔ ﻓﻴﺘﺨﻴﻞ ﻧﻔﺴﻪ ﺍﻷﺭﻗﻰ ﻭﺍﻷﻓﻀﻞ ﻭﺍﻷﻋﻈﻢ، وما اكثر هؤلاء المرضى في أيامنا.
هذا على صعيد الناس فما بالك لو أن لبنان بأكمله حكومة وشعباً أصيبوا بداء جنون ﺍﻟﺸﻚ ﻭﺍﻻﺭﺗﻴﺎﺏ بعد انتقال العدوى اليهم من الجيران العرب وصار حالنا مثل حال بعض اخواننا العرب نؤمن ﺃﻥ ﺍﻟﻌﺎﻟﻢ ﻻ ﺷﻐﻞ ﻟﻪ ﺇﻻ ﺍﻟﺘﺂﻣﺮ ﻋﻠﻴنا ﻭﺗﺪﻣﻴﺮ ﻭﻧﻬﺐ ﺛﺮﻭﺍﺗنا وصرنا أﻣﺔ ﻣﻦ ﺃﻛﺜﺮ ﺍﻷﻣﻢ ﺗﺨﻠﻔﺎً ﻭﻓﻘﺮﺍً ﻭﺟﻬﻼً ﻭﻣﻊ ﺫﻟﻚ نظن أنفسنا أننا ﺍﻷﻓﻀﻞ ﻭﺍﻷﻋﻈﻢ،، ﺃﻣﺔ ﺗﺮﻯ ﻭﺭﺍﺀ ﻛﻞ ﻣﺤﺎﻭﻟﺔ ﻟﺘﻄﻮﻳﺮﻫﺎ ﻭﺇﺧﺮﺍﺟﻬﺎ ﻣﻦ ﺗﺨﻠﻔﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻲ ﻣﺆﺍﻣﺮﺓ ﻟﺘﺪﻣﻴﺮها ،ﺃﻣﺔ ﻻ ﺗﻔﻬﻢ الا لغة ﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺓ، نعم إنها الحقيقة المرة .
أضف اليها التشابه بين فكرة ﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺓ وﺍﻟﻌﻘﻠﻴﺔ ﺍﻟﺨﺮﺍﻓﻴﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺳﻜﻨت بلادنا ﻃﻮﻳﻼ ﻭﺍﻟﺘﻲ ﻛﺎﻧﺖ ﺗُﺮﺟﻊ ﻛﻞ ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﻭﺍﻷﺣﺪﺍﺙ قديماً ﺇﻟﻰ ﺃﺳﺒﺎﺏ خيالية مثل ﺍﻟﺠﻦ وﺍﻟﺸﻴﺎﻃﻴﻦ وﻏﻀﺐ ﺍﻟﻠﻪ، أو ﺍﻟﺴﺤﺮ وﺍﻟﺤﺴﺪ وصولاً الى ﻧﻈﺮﻳﺔ ﺍﻟﻤﺆﺍﻣﺮﺓ التي وجدها حكامنا حلاً ﺳﻬلاً ﻳﺮﻳﺢ ﺍﻟﻌﻘﻮﻝ ﻣﻦ ﺍﻟﺘﻔﻜﻴﺮ ﻓﻲ ﺗﺸﺎﺑﻜﺎﺕ ﺍﻷﺣﺪﺍﺙ ﻭﺗﻌﻘﻴﺪﺍﺗﻬﺎ، ﻛﻤﺎ ﺃﻧﻬﺎ ﻭﺳﻴﻠﺔ ﻓﻌﺎﻟﺔ ﻧﻔﺴﻴﺎً ﻟﺘﺒﺮﻳﺮ ﺍﻟﻔﺸﻞ ﻭﺇﻟﻘﺎﺀ ﺍﻟﻠﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﺍﻵﺧﺮﻳﻦ ,وهكذا للاسف يمر العمر ونحن ﻧﺘﻨﻘﻞ ﺑﺒﺮﺍﻋﺔ ﺑﻴﻦ ﻣﺆﺍﻣﺮﺍﺕ ﻻ ﺗﻨﺘﻬﻲ في هذا الشرق المنحوس.
*كاتب ورئيس تجمع صناعيي البقاع