نقولا أبو فيصل :بين الخوف من الكتابة واليد المرتجفة.. شجاعة*
الكتابة هي أملي وقراري في مواجهة الاحباط والانهيار الحاصل على كل الصعد ، على أن فقداني لهذا الأمل يعني فقدان المتعة عندي في الحياة ، واذا كان الإبداع ينتج عن النقص وليس عن الامتلاء، فالكتابة هي اخفاء النقصان، لذا أنا مع الإبداع لأنه نتاج معاناة مع الذات ومكابدة مع الواقع ، رغم أن المبدع يجد نفسه دائماً في صدام ومواجهة مع الواقع وهذا مكلف له ويفقده الانسجام مع محيطه ويجعله يشعر بالغربة، ويصاب بأوهامٍ بأنه قادر أن يغير العالم، ومع ذلك فالكلمة تُغير وتؤثر حتى لو تباطأ تأثيرها مع تراجع عدد القراء وازدياد عدد المحللين السياسيين على شاشات التلفزة ودخولنا عصر الانحطاط الاعلامي.
الكتابة هي حياة ثانية لي ، وهي الكفّة الثانية للميزان فإذا سقطت اختل التوازن وخسر الضمير والوجدان وجوده ،وحين أكون في الكتابة لا أكون في غيرها، والكلمة التي اكتبها ولا أنطق بها أحاول زرعها في العقول والقلوب ، على أن مواضيع البحث لا تأتي من الفضاء ، بل هي إفراز لحالة حياتية تتخبط بها البلاد منذ فترة طويلة ومن قلب “جهنم اللبنانية”حيث اراد حكامنا ان نكون ، لكن شمس الحرية سوف تبزغ وتلمع ساطعة بعد ليالي العتمة الطويلة ، ما أكتبه كل يوم يستولي على تفاصيل حياتي …انا لا اكتب خواطري بل هي تكتبني ، بحيث يكون القارئ شريكاً في هذا العمل ، يكمل الغاية منها ، وقد اضطر أحياناً الى الاشارة إلى بعض الاشخاص دون تسمّيتهم لعدم الخوض في السجالات معهم ، ولكن متى تنتهي هذه الازمات والتحديات؟ والجواب لا احد يمكنه التكهن بذلك طالما لا نزال نقف في محطة لنركب قطاراً جديداً.. لنمضي إلى حيث لا نعرف ونستمر في الكتابة عن تحديات جديدة قادمة.
الكتابة عن خوف الناس وقلقهم في لبنان هو فعل شجاعة، واليد المرتجفة تستند إلى قلب يربكه الحب، فالخوف بلا ملامح مصادره مجهولة وهذا ما يجعل الخوف مرعب ومجهول ، والمجهول مصدر جميع المخاوف ، كلنا نخاف من المجهول، الحضارة البشرية بنت حضارتها لمواجهة الخوف: الخوف من الطبيعة ومن الأعداء ومن المرض وممّا هو غامض ، كلها هذه هي نتاج الخوف الأكبر وهو الخوف من الموت الذي قهر البشرية، والذي لا سبيل لمقاومته أو مهادنته أو تأجيله أو كشف أسراره ! لكني تعودت أنا لا أخاف من اشتباكي المستمر مع كل هذه المخاوف المذكورة أو تلك التي لم تُذكر.
*من سلسلة كتب “عن لبنان لماذا أكتب “جزء ٤