محكمة الحريري في شوطها الأخير: الحكم في 2019
تدخل المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، اليوم الثلاثاء، مراحلها النهائية، مع انطلاق جلسات على مدار 15 يوماً مخصصة للمرافعات الختامية وإصدار ادعاء في قضية اغتيال رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري مع 22 شخصاً آخرين في 14 فبراير/ شباط 2005، استناداً إلى المذكرات النهائية التي قدمها فرقاء المحكمة الثلاثة (المدعي العام، ووكلاء الدفاع، ووكلاء المتضررين).
ويحضر رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري جلسة إعلان المدعي العام القرار الظني النهائي، بعد مغادرته لبنان، مساء الأحد، كما من المتوقع حضور بعض المتضررين من ذوي الضحايا الـ22، إضافة إلى بعض السياسيين، من بينهم الوزير مروان حمادة، الذي تنظر المحكمة أيضاً في محاولة اغتيال تعرض لها في عام 2004 قبل اغتيال الحريري. ومن المتوقع أن يصدر الحكم في الربع الأول من عام 2019. وتشير مصادر سياسية لبنانية إلى أن الحكم قد يصدر تحديداً بالتزامن مع الذكرى الـ14 لاغتيال الحريري، أي في 14 فبراير 2019، بعد أن يعرض الادعاء خلال جلسات هذا الشهر معطياته.
الجلسة ستنطلق عبر تقديم فريق الادعاء الأدلة التي يستند إليها لإدانة المتهمين في جريمة اغتيال الحريري، على أن يتبع ذلك عرض لفريق المتضررين، قبل أن يقدم فريق الدفاع مداخلته، لتنطلق بعدها مرحلة المذاكرة السرية بين القضاة الخمسة، والتي قد تمتد لأشهر، وستليها مرحلة الاستئناف.
وكانت غرفة الدرجة الأولى، التي تلتئم اليوم، قد طلبت من الادعاء ووكلاء الدفاع ووكلاء المتضررين، أن يقدموا مذكرات نهائية عن حصيلة المحاكمات التي أجريت تمهيداً لإجراء المرافعات الأخيرة حول مضمون كل منها في جلسات سبتمبر/ أيلول الحالي. وتعتبر المرافعات، المتوقع انطلاقها اليوم، المرحلة الثالثة والمؤشر الأساسي لاقتراب موعد الحكم، عبر تصديق الحكم الابتدائي، لتنطلق بعدها المرحلة الرابعة التي هي النطق بالحكم في جلستين علنيتين، لتحدد فيهما العقوبة لكل من المتهمين، وبعدها يمنح فريق الدفاع مهلة لاستئناف الحكم، في مرحلة قد تمتد لعام كامل أو أكثر، لتليها مرحلة تثبيت الحكم الابتدائي، أو فسخه. وخلال هذه المرحلة تؤكد مصادر سياسية متابعة أن “المحكمة الدولية ستطلب حكماً من السلطات اللبنانية جلب المتهمين المدانين”.
وتعتبر المحكمة هذه، والتي أنشئت في عام 2009، فريدة من نوعها، إذ تحاكم المشتبه بهم، المنتمين إلى “حزب الله”، على الرغم من تواريهم عن الأنظار، وبذلك تعتبر المحكمة الجنائية الدولية الأولى التي تحاكم أفراداً على الرغم من ذلك، خصوصاً أن “حزب الله” يرفض تسليمهم، وبالتالي يتوقع صدور الحكم الابتدائي عليهم غيابياً.
وستوجه المحكمة، كما هو متوقع، اتهامات مباشرة لعناصر الحزب الأربعة، مستندة إلى معطيات وأدلة، أبرزها “داتا” الاتصالات التي تلخص تنسيق وحركة العناصر بالتزامن مع العملية الإرهابية، وتحليل العينات التي رفعت من مسرح الجريمة، إضافة إلى مئات الإفادات للشهود.
وتحاكم المحكمة غيابياً أربعة من مسؤولي “حزب الله”، هم سليم عياش، وأسد صبرا، وحسن عنيسي وحسن مرعي، بعد اتهامهم بتنفيذ جريمة الاغتيال، في حين أسقطت الملاحقة عن المتهم مصطفى بدرالدين الذي قتل في سورية، والذي تعتبره المحكمة العقل المدبر في قضية اصطلح على تسميتها قضية عياش وآخرين.
ويحاكم عنيسي (44 عاماً)، وصبرا (41 عاماً)، بتهمة تسجيل شريط فيديو مزيف بثته قناة “الجزيرة” عام 2005، يدعي المسؤولية نيابة عن جماعة وهمية، كما يواجه مرعي (52 عاماً)، تهماً عدة، بما في ذلك التواطؤ في ارتكاب عمل إرهابي والتآمر لارتكاب الجريمة، إضافة إلى سليم عياش (50 عاماً)، المتهم بقيادة الفريق الذي تولى قيادة العملية.
وفي التفاصيل، فقد أُسندت إلى المتهمين تسع تهم تتعلق بالاعتداء الإرهابي، إضافة إلى تهمة المشاركة في مؤامرة هدفها ارتكاب عمل إرهابي، كما اتُّهم عياش أيضاً بارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة، ومحاولة قتل 226 شخصاً آخرين عمداً باستعمال مواد متفجرة. كما أُسندت أيضاً إلى مرعي، وعنيسي، وصبرا، تهمة التدخل في ما يلي: جريمة ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة، جريمة قتل رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري و21 شخصاً آخرين عمداً باستعمال مواد متفجرة، وجريمة محاولة قتل 226 شخصاً آخرين عمداً باستعمال مواد متفجرة.
وعلمت “العربي الجديد” أن “اتصالات محلية ودولية جرت على أكثر من خط من أجل حث الأطراف اللبنانية على عدم التصعيد داخلياً، على خلفية الجلسات التي تعقد في لاهاي، خصوصاً بعد التصريحات الأخيرة للأمين العام لحزب الله حسن نصرالله الذي استبق الجلسات بالتحذير والتهديد، قائلاً: (لا تلعبوا بالنار)، مكرراً موقف الحزب لجهة عدم الاعتراف بالمحكمة الدولية وكل ما يصدر عنها”.
وعلى الرغم من أن مصادر تيار “المستقبل” أكدت لـ”العربي الجديد”، أن “موقف رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري، الذي أعلنه مع بدء أعمال المحكمة في عام 2014، والذي أكد فيه فصل مسار عمل المحكمة، عن الداخل اللبناني، لا يزال ساري المفعول”، مشيرة إلى أن “عملية تأليف الحكومة لن تتأثر وفقاً لذلك، إلا إن كان الطرف الآخر يريد جر البلاد إلى نفق جديد”. واستبعدت ذلك نظراً إلى تعقيدات المشهد الإقليمي الذي لا يحتمل اشتباكاً آخر في الداخل اللبناني.
ومن المتوقع أن تخاطب المحكمة مجلس الأمن الدولي، بعد صدور الحكم النهائي، وخصوصاً أن المحكمة صدرت تحت البند السابع، وبالتالي ستتوجه الأنظار بعد صدور الحكم إلى واشنطن، وإلى موقف مجلس الأمن الدولي، وما قد يصدر عنه في هذا الإطار، خصوصاً أنه لأول مرة يصدر عن محكمة دولية اتهام لعناصر في “حزب الله”، على الرغم من اتهام أفراد عدة منه في أكثر من دولة بجرائم مختلفة، أبرزها في الأرجنتين والولايات المتحدة والكويت ومصر.
ومع اقتراب انتهاء المرافعات، وبانتظار صدور الحكم الابتدائي في قضية الحريري، تتوجه الأنظار صوب ما يسمى “القضايا المتلازمة”، أو ذات الصلة، وعددها 12 قضية، من بينها ثلاث جرى ضمّها إلى القضية الأساسية، وهي جريمة اغتيال الأمين العام للحزب الشيوعي جورج حاوي، وجريمتا محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة والوزير الأسبق الياس المر.
وعلى الرغم من أن المعلومات شحيحة بشأن القضايا الأخرى وسير أعمال المحكمة بشأنها، إلا أنه من المتوقع في مرحلة لاحقة أن تركز المحكمة أعمالها بشأن هذه القضايا، خصوصاً أن التقرير السنوي للمحكمة لعام 2016 أشار إلى هذه الملفات الثلاثة المتلازمة، وإلى استمرار التحقيقات، والى تقدم ملحوظ.
وكانت وسائل إعلام محلية لبنانية أشارت قبل أيام إلى أن رئيس المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أودع لدى قاضي الإجراءات التمهيدية في يوليو/ تموز الماضي قراره الاتهامي الثاني، الذي يرتبط بواحدة من القضايا الثلاث المر – حمادة – حاوي. وكشفت أن القرار الاتهامي الجديد يسمّي متّهماً جديداً من “حزب الله” وسط تكتّم شديد. كما كانت المحكمة قد أعلنت صيف العام الماضي أن المدعي العام قدّم قراراً اتهامياً ثانياً لتصديقه لدى قاضي الإجراءات التمهيدية، تمهيداً لإعلانه في فترة لاحقة، وبقي منذ تلك الفترة سرياً، وتردد أنه يتعلق بقضايا حاوي والمر وحمادة.