ثلاثة احتمالات أمام الأسد.. وهل يتدخل “الحزب” أم يخرج؟
خلطت أحداث سوريا أوراق المنطقة كلها. يمكن لتطوراتها أن تشكل مدخلاً لحلّ يطال دولاً عديدة، ويمكن لها أن تتحول إلى ساحة متجددة لصراع طويل لا أحد سيكون قادراً على التحكم بمساراته ولا التوقع بمآلاته. التحولات السورية تتأثر بها دول عديدة، منها العراق، لبنان، وإيران. الوضع مختلف عما كان عليه لحظة اندلاع الثورة السورية في العام 2011. في حينها كانت إيران في عز قوتها وكذلك حزب الله والفصائل العراقية، بينما لم تكن قوات المعارضة السورية في حالة منظمة ومتماسكة مشابهة لما هو الوضع اليوم. وكان هناك الكثير من التشظي والضعف. حتى الظروف الدولية والإقليمية تختلف جذرياً. لا سيما أن المعركة التي فتحتها المعارضة تأتي بعد ضربات كثيرة تعرضت لها إيران وحلفاؤها، ولا سيما حزب الله، وبعد ضغوط أميركية أسهمت في تحييد العراق عن الكثير من المعادلات.
ثلاثة احتمالات
ما تسعى إليه المعارضة السورية هو إسقاط النظام، وإخراج إيران من سوريا. الهدف الثاني يتقاطع مع رؤية عربية ودولية، سعت إلى التقارب مع دمشق في سبيل تقويض نفوذ إيران في المنطقة، وبالتحديد انطلاقاً من الساحة السورية لما سيكون لذلك من انعكاسات على لبنان وقطع طرق الإمداد عن حزب الله، وعلى العراق أيضاً. لا سيما أن الطريق الاستراتيجي والحيوي من إيران إلى العراق فسوريا فلبنان سيكون قد تعطّل. أمام كل هذه التطورات فإن سوريا تقف أمام ثلاثة احتمالات.
الاحتمال الأول، هو أن يستمر الضغط العسكري بقوة وتتمكن المعارضة من السيطرة على المزيد من المحافظات والمناطق وتطويق دمشق، لدفع الأسد إلى تقديم تنازلات قاسية عسكرياً وسياسياً، ويساهم في إضعاف النفوذ الإيراني في سوريا، ويلتزم ضبط الحدود السورية اللبنانية والسورية العراقية، بما يمنع انتقال المسلحين والأسلحة وقطع خطوط الإمداد، بالإضافة إلى تنازلات تتعلق بصيغة وتركيبة الحكم في سوريا من خلال إشراك المعارضة في السلطة.
الاحتمال الثاني، هو أن يتواصل الضغط العسكري ولا يستجيب الأسد لكل المبادرات والمحاولات، أو لا يكون قادراً على مواكبتها، فتتمكن قوى المعارضة من حشد قواها باتجاه دمشق وإحداث متغيرات دراماتيكية تفضي إلى سقوط النظام.
أما الاحتمال الثالث، فهو أن يرفض النظام تقديم أي تنازلات، ويستند على دعم إيراني وروسي جديد، مع دخول الإيرانيين بقوة على الخطّ إلى جانب حزب الله وفصائل عراقية، واتخاذ قرار بخوض قتال شرس كما حصل بعد العام 2012. ما يعني تحويل سوريا إلى ساحة اقتتال دموي عنيف قد يستمر لسنوات من دون أن تتمكن أي جهة حسم الوجهة. وبذلك تسعى إيران إلى تثبيت مناطق نفوذها كما قوى المعارضة تثبت مناطق نفوذ، وكل جهة إقليمية ودولية تعزز وضعيتها على الساحة السورية. وهذا يعني إعادة خلق مناطق نفوذ للأتراك في الشمال وامتداداً نحو الوسط السوري. فيما يسعى الأكراد إلى توسيع نطاق نفوذهم في شمال شرق سوريا، على أن يحتفظ الروس بنفوذهم في الساحل. أما إيران فستكون على خط الوسط باتجاه دمشق. وستنتهز إسرائيل الفرصة للتوسع أكثر باتجاه الجنوب السوري بذريعة حماية أمنها القومي.
القرار الإيراني
ما يعلنه الإيرانيون وما أعلنه أمين عام حزب الله الشيخ نعيم قاسم حول عدم التخلي عن سوريا، يشير إلى الاستعداد للتدخل، وسط معلومات عن إدخال حزب الله لعناصر أو مشرفين وإبداء إيران الاستعداد لإدخال مستشارين عسكريين. ما يعني الاستعداد للدخول في قتال طويل الأمد، ولكن بالتزامن مع تسريبات دخول قوات من حزب الله إلى حمص، وإعلان إيران الاستعداد لدعم دمشق عسكرياً، كانت الأخبار تتوارد عن انسحاب قوات النظام السوري من حمص. وبحال انسحب الجيش السوري من هناك لن يتمكن الإيرانيون وحزب الله من الحفاظ على مواقعهم أو الصمود لأنه لا يتوفر أي غطاء سوري لهما. كذلك بالتزامن مع الانسحابات لقوات النظام من مناطق مختلفة في دير الزور، كانت المعلومات تشير إلى انسحابات من قبل الإيرانيين من تلك المنطقة باتجاه العراق. واللافت هنا أن طهران وضعت الأسد أمام معادلة حرجة، وهي ربط تدخلها العسكري بتوجيه طلب رسمي سوري، علماً أن المطلوب إقليمياً ودولياً من سوريا هو إخراج إيران.
ما توحي به المعطيات الإيرانية أن طهران ستحاول ممارسة ضغط عسكري مضاد من قبل النظام السوري، لأجل وقف تقدم قوات المعارضة، ولتثبيت الجيش السوري في مواقع ونقاط أساسية، ما يمكن أن يفتح باباً تفاوضياً جديداً. في المقابل، المعطيات الدولية الأخرى تشير إلى أن المشروع هو ضرب النفوذ الإيراني في سوريا، والضغط على دمشق يأتي في سياق دفع الأسد إلى ذلك، علماً أنه كان قد استخدم آلية تفكير تقليدية ووفق الطريقة الإيرانية، وهي البقاء في مكانه وعلى مواقفه والرهان على الوقت لتتغير الظروف وتتحسن. فلم يقدم على أي خطوة لتحسين وضعيته لا مع العرب ولا مع الغرب ولا مع الأتراك. وهو ما أدى إلى انفجار كل هذه التطورات في وجهه.
أحداث سوريا لن تقف عند حدود الجغرافيا السورية، وحتماً تداعياتها ستطال دول الجوار المختلفة. وبما يتعلق بلبنان، فالمطلوب من دمشق قطع كل طرق الإمداد عن حزب الله، وقطع طريق دخول المسلحين وخروجهم، سواء كانوا من حزب الله أو من بعض القوى العسكرية في المعارضة، وقطع طريق الإمداد والأسلحة ما بين سوريا والعراق.
منير الربيع | “المدن”