حكومة “ما بعد يريفان”… و”ما قبل العقوبات”
جورج شاهين – الجمهورية
تولِّد تمنياتُ الأفرقاء السياسيين رواياتٍ متناقضة بسيناريوهات مختلفة ومواعيد متضاربة لولادة الحكومة، على رغم أنّ الرئيس المكلّف سعد الحريري حدّد الخميس الماضي مهلةً، لم يعتمدها سوى سيناريو وحيد يقول بولادتها بعد عودة رئيس الجمهوريّة العماد ميشال عون من القمّة الفرنكوفونية في يريفان، وقبيل العقوبات الأميركيّة على إيران مطلع الشهر المقبل. فما الّذي يبرّر هذا السيناريو؟
بعد لقاء عون والحريري الأربعاء الذي سبق إطلالة الأخير التفلزيونيّة التي أعلن فيها عن مهلة الأيام العشرة للتأليف، تكثفت الاتّصالات خلال عطلة نهاية الأسبوع بين قصر بعبدا و»بيت الوسط» لترميم ما تسبّبت به مواقف رئيس «التيار الوطني الحر» الوزير جبران باسيل وما تبعها من مواقف لـ»القوات اللبنانية» بغية البحث عن انعكاساتها على التفاهم المبدئي.
لم ينكشف تفاهم عون والحريري على كثيرين من راصدي المعادلات الهادئة للتركيبة الحكومية الجديدة التي تحاكي المطالب التي ارتبطت بالعقدتين الدرزية والمسيحية اللتين رفع لواءَهما حزبا «القوات» و»التقدمي الإشتراكي»، عدا عن العقد التي تطفو على سطح التأليف من وقت الى آخر، ومنها إصرار تيار «المردة» على حقيبة وزارة الأشغال وظهور رغبة «التيار الوطني الحر» بهذه الحقيبة الدسمة.
أمّا عقدة تمثيل «نواب سنّة 8 آذار» فتعدّدت في شأنها الآراء بين قائل بتجاوزها وآخر مصرٍّ على استعصائها على رغم ترجيح كفّة النظرية الأولى في مناسبات عدة.
لكنّ العارفين تحدثوا عن «تفاهم متقدّم» بين عون والحريري على مقاربة الملف الحكومي بنظرة مختلفة لمجرد أن تبلّغ الرئيس المكلّف نيّة رئيس الجمهورية إجراء مقاربة جديدة لتوزيع الحقائب والحصص بدءاً بإبقاء نيابة رئاسة الحكومة في عهدة «القوات اللبنانية» ولكن من دون الحقيبة «التوأم»، لتحتسب وزارة دولة الى جانب ثلاث حقائب يمكن البحث بأهمّيتها في وقت لاحق مع ترجيح بأنها وزارات التربية والشؤون الإجتماعية والثقافة. وقد جاء ذلك على وقع ما أنتجه التفاهم الثلاثي بين كل من رئيس مجلس النواب نبيه بري والحريري ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط على مقاربة جديدة للعقدة الدرزية فور تذليل العقدة القوّاتية.
الجديد في ما سبق يمكن أن يكون فهم الجميع لحجم الإستحقاقات المقبلة على لبنان والمنطقة، ليس أقلّها المخاطر الإقتصادية والتهديدات الإسرائيلية بعملية ما، تستظلّ العقوبات الأميركية على إيران و»حزب الله»، والساحة اللبنانية أولى الساحات المحتملة للمواجهة، ولم ينبرِ أحدٌ حتى الآن لمحاولة تحييدها.
الى هذه المعطيات توافرت قراءةٌ مشتركة بين بعبدا و»بيت الوسط» تؤول الى أنّ أيَّ اعتداء إسرائيلي على لبنان قد يكون له ما يبرّره في ظلّ انغماس حلفاء إيران في حروب المنطقة، وسوريا واحدة من ساحاتها. وإنّ أيّ ردّ فعل دولي قد لا يكون لمصلحة لبنان في هذا التوقيت بالذات لحسابات إقليمية ودولية زاد منها الخلاف «الموقت» بين موسكو وتل ابيب إثر إسقاط الطائرة الروسية قبالة الشاطئ السوري، مع العلم أنّ لبنان هو الخاصرة الروسية والإيرانية الضعيفة، وهو ما ترجمته ردود الفعل الديبلوماسية الروسية والإيرانية من ملعب «العهد» في ظل المقاطعة الأميركية وضعف التمثيل الديبلوماسي لعدد من السفارات ومنها «مجموعة العمل من أجل لبنان».
في هذه الأجواء كشفت مصادر مطّلعة أنّ «بيت الوسط» احتسب ردّات فعل باسيل السلبية غداة اطلالة الحريري الخميس الماضي، أنها موجّهة ضده اكثر ممّا هي ضد «القوات» وحليفها «الإشتراكي»، لكنه تبلّغ من بعبدا أنّ هذه المواقف لا تستهدفه وأنّ ما تمّ التفاهم في شأنه مع رئيس الجمهورية ما زال ساري المفعول ولن يعوقه ما صدر عن باسيل.
وفي ضوء هذا قرّر الحريري المضي في استشاراته التي كانت ستشمل باسيل قبل سفره في جولته الخليجية والتي أُرجِئت على ما يبدو الى الفترة الفاصلة بين عودته اليوم وقبيل مغادرته غداً الى يريفان ضمن الوفد المرافق لرئيس الجمهورية الى القمّة الفرنكوفونية، هذا بالإضافة الى كل من ممثلي «القوات» و»الإشتراكي» و»المردة»، لمواصلة مساعيه بهدف تسويق الصيغة الجديدة للحقائب من دون المَسّ بالحصص التي باتت ثابتة، باعتراف مختلف الأطراف على رغم المعادلات التمثيلية الجديدة لباسيل بين خماسية أو رباعية التمثيل النيابي عند سكبها في الحقائب الوزارية.
على أنّ مختلف التوقعات، بما فيها تلك التي تردّدت في قصر بعبدا و»بيت الوسط»، تفيد أنه لن يكون هناك أيُّ حراك حاسم في شأن التأليف في الساعات القليلة المقبلة، لكنّ الأمر لا ينسحب على الفترة الفاصلة عن مطلع الشهر المقبل، حيث من المتوقع أن تنشط الإتصالات بعد عودة رئيس الجمهورية، على أمل حسم هذا الملف قبل 4 تشرين الثاني موعد تطبيق الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران وما سيكون لها من تردّدات إيرانية داخلية وأخرى ترتبط بالساحات التي للإيرانيين فيها حضور سياسي وعسكري فاعل ومنها لبنان وسوريا.
وعليه فإنّ أكثر السيناريوهات تفاؤلاً يتبنّى هذه الآلية وفق برمجتها الجديدة في مقاربة مسألة التأليف ويبني عليها الآمال بولادة الحكومة ما بين حَدَّي عودة عون من يريفان والمرحلة التي تليها وينتهي احتسابُها بموعد الدفعة الثانية من العقوبات الأميركية على إيران وحلفائها. وكل ذلك لن يتأثر بالزيارات المتقطعة التي سيقوم بها رئيس مجلس النواب نبيه بري الى المؤتمر البرلماني الدولي في سويسرا وزيارة الحريري الخاصة للندن. فكلاهما يمكن تجميدُهما أو اختصارهما إذا بلغت الإتّصالات المدى الحيوي الإيجابي الذي يقود الى التأليف. فبري والحريري على استعداد لمثل هذه الخطوة والتضحية، لأنّ الإستحقاق الحكومي يفوق أهمية أيّ نشاط أو استحقاق آخر.