باسيل يتفرّغ لـ”القوات”.. والجمهور حائر
افتعل اللبنانيون الدهشة، عندما انتشرت صورة لرئيس كتلة “اللقاء الديموقراطي” النائب تيمور جنبلاط، في دارة وزير الخارجية جبران باسيل في اللقلوق. هم لا يريدون التصديق بأن الخلافات السياسية في لبنان، مرحلية وظرفية وغير قابلة للاستمرار. وبأن أكثر ما يجمع السياسيين، هو التحولات والتقاربات والصراعات المؤقتة. افتعل اللبنانيون الدهشة، تخفيفاً من وقع الحقائق السياسية القائمة على مبدأ “لا خصومة دائمة ولا عداوة دائمة”. وعلى مبدأ قائل إن التقارب أغلى من دم ورأي من اختاروا أن يكونوا وقود الصراعات. لا يريدون الاعتراف بأن دمهم أرخص من “مصلحة الوطن”، وبأن الصراع الذين انجرفوا اليه عاطفياً، تسعيراً للأزمة السابقة، ليس عبثياً. وبأن ثمة قضايا، كانت تستدعي هذا التسعير والدم والنزاعات، من التفاهة أن تنتهي بلقاء.
لم يخرج عن المنخرطين في اللقاء، إلا الصورة، فيما تولى آخرون التفسير والايضاح، وتسويق المبادرات. المعنيون يقومون بالفعل، وعلى المحازبين المصادقة عليه. هم وقّعوا عليه فعلياً، لأن الزعيم لا يخطئ. يرى بعين أكبر، هي عين “الوطن”، لكن السؤال الذي تردد في المداولات الالكترونية: لما لم يُنظر بالعين نفسها يوم تسعر الخطاب وامتد الانقسام لأسابيع؟
من البديهي أن لا جواب على هذا التساؤل. ولا يملك المغردون معلومة أو دليلاً على الخلاف أو المصالحة. وبمعزل عن الشعارات التي تتأرجح بين المصلحة الوطنية، والثبات على الثوابت، واثبات القوة السياسية والدبلوماسية، قلة فقط تنظر في الخلفيات، علماً أن أي مبادرة تهدئة ومصالحة، مرحب بها، ويجب التعويل عليها للخلاص من انقسامات تهد البلد، وتزهق الأرواح، وترهق مصالحة يسعى كثيرون لتثبيتها عملياً لتكريس العيش المشترك.
والخلفيات، في قراءة سياسية متأنية، مرتبطة برؤية الطرفين لمسارهما السياسي وموقعهما من السلطة. فجنبلاط الذي أحيط بدعم لامحدود من أصدقائه، وخصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري، بدت محاولات تحييده فعل جنون. وهو ثابت في معادلة على ضفة غير منافسة للتيار الوطني الحر الذي يرأسه الوزير باسيل.
على الضفة الأخرى، باسيل عازم على تفكيك خلافات جانبية، ويتهمه خصومه بأنه يسعى إلى التفرغ لخلاف أعمق يقوده للإطباق على جزء كبير من التمثيل في الشارع المسيحي، وعلى جزء كبير من حصة المسيحيين في السلطة، وتسهيل طريقه نحو الرئاسة. لذلك، اتجه نحو تفكيك منازلاته الجانبية، خارج الطائفة المسيحية، وتحديداً خارج المعركة الأبرز مع حزب “القوات اللبنانية”، وهو ما ظهر في التعيينات الإدارية أخيراً، ويُتوقع أن يبرز أكثر في الاستحقاقات المقبلة.
هذه الوقائع، ليس الجمهور معنيّاً بها. وليست من اختصاصه. ولا يلتفت الى ان هناك تحولاً جديداً في السلطة، نحو تكريس المناصفة عملياً، والتي تم الاتفاق عليها، وتفرض، حكماً، تقويض امتيازات وإعادة توجيه السلطة نحو اقتسام طائفي، يستدعي أيضاً صراعات داخل الطائفة الواحدة، أو شد حبال بالحد الأدنى، فيما تُجمّد الخلافات مع الطوائف الاخرى حتى موسم انتخابي، أو محاولة سحب امتياز ضمن نظام المحاصصة من طائفة أو مذهب في اتجاه مذهب آخر.
قد يذهب الجمهور الى السؤال عن دولة مدنية يحلم بها، وهذا حقه. لكن لا جواب في ظل تكريس الأعراف الجديدة. السؤال الذي سيُطرح من الآن فصاعداً، واستُهلّت بشائره اعلامياً بالسؤال عن حصة طائفة، هو سؤال واقعي في التركيبة الجديدة، الى ان يقتنع الجميع بدولة مدنية ستنسف حصص الطوائف، وهي لن تلقى إجماعاً عملياً، وتُستبدل بتعميم نموذج توافقي بين المكونات بمعزل عن التغييرات الديموغرافية.
أمام هذه الوقائع، ما زال جمهور “التيار الوطني الحر” و”التقدمي الاشتراكي”، حائراً، لجهة تصديق المصالحة والتقارب فور حدوث اللقاء. لكنه جمهور بات على قناعة بأن التحولات السياسية، سمة لبنانية لا يمكن الخلاص منها، وليس الاعتراض عليها الا نتيجة ندم على الانجرار الى أزمة، لا تطهره إلا التوبة عن الانجراف غرائزياً إلى صراعات ستخمد، لأن البلد محكوم بالتوافق، شاء مَن شاء، وأبى مَن أبى.
نذير رضا – المدن