
الثروة ليست في ما تملك إنما في ادارة ما تملك! بقلم نقولا أبو فيصل


فكر فيها !
من المؤكد أن مشاكل الاقتصاد في الدول لا تتعلق بحجم الموارد التي تمتلكها فقط، بل بكيفية إدارتها واستثمارها بذكاء لتحقيق التنمية المستدامة. وهناك أمثلة صارخة تُثبت أن الإدارة الحكيمة تفوق في أهميتها حجم الثروات المتاحة. ومن أبرز هذه الأمثلة المقارنة بين هولندا والسودان في قطاع الثروة الحيوانية. هولندا، الدولة الصغيرة جغرافيًا، تمتلك نحو مليوني بقرة، لكنها استطاعت أن تحوّل هذا المورد المحدود إلى قطاع إنتاجي مزدهر، حيث تحقق من تصدير الألبان عائدات تصل إلى 14 مليار دولار سنوياً . في المقابل، يمتلك السودان أكثر من ثمانية ملايين بقرة، أي أربعة أضعاف ما تملكه هولندا، ومع ذلك، يعاني من نقص الإنتاج ويضطر إلى استيراد الألبان الهولندية بأكثر من 100 مليون دولار سنوياً!
المفارقة لا تتعلق فقط بعدد الأبقار، بل في طريقة إدارتها . الحكومة الهولندية استثمرت في التقنيات الحديثة، ووفرت البنية التحتية اللازمة، واعتمدت سياسات دعم الإنتاجي والجودةز. بينما في السودان أدت الإدارة السيئة ، وغياب التخطيط، وضعف الاستثمار في البنية التحتية إلى ضياع هذه الثروة دون تحقيق الاستفادة منها . المشكلة ذاتها تتكرر في لبنان، حيث يواجه البلد أزمة مالية واقتصادية خانقة، لكن الحل لا يكمن في فرض ضرائب جديدة على المواطنين الذين جُمّدت أموالهم في المصارف ، بل في تحسين إدارة الموارد الموجودة . فبدلًا من تحميل الشعب المزيد من الأعباء، يجب تفعيل الجباية العادلة، بحيث تشمل جميع المناطق اللبنانية دون استثناء، وتوسيع نطاق تحصيل الرسوم والضرائب ليشمل جميع القطاعات الاقتصادية، بما فيها ضريبة القيمة المضافة على المبيعات .
في لبنان يوجد قطاعات حيوية مهملة، مثل السياحة والزراعة والصناعة، وهي مصدر رئيسي للإيرادات لو تم استثمارها بشكل صحيح . كما أن مكافحة الفساد والتهرب الضريبي من شأنه أن يعيد التوازن إلى المالية العامة دون الحاجة إلى مزيد من الاستنزاف لجيوب المواطنين . نعم اصدقائي العبرة ليست في حجم الثروات، بل في قدرة الإدارة على تحويلها إلى إنتاج فعلي يعود بالنفع على الجميع . فالدول التي نجحت لم تكن الأغنى بالموارد، لكنها كانت الأذكى في إدارتها . والنجاح الاقتصادي ليس مسألة حظ أو ثروة طبيعية،بل هو نتاج التخطيط السليم والإدارة الفعالة، والاستفادة الصحيحة من الإمكانات المتاحة. وكما كانت تقول والدتي رحمها الله “العقل المدبر أثمن من الذهب المخزن.”
نقولا أبو فيصل كاتب وباحث وعضو اتحاد الكتاب اللبنانيين
Nicolas Abou FayssalZahle tvتجمع الصناعيين في البقاع Association of Bekaa Industrialists
